الفتاة وخلق الحياء
لقد أكد الإسلام على حقوق المرأة ومكانتها وكرامتها، ومن ذلك تأكيده على تربيتها منذ الصغر، لأنها بحكم فطرتها وطبيعتها تحتاج إلى تربية ورعاية فائقة، إعدادا للدور الكبير الذي ينتظرها في الحياة وهو أن تكون زوجة صالحة وأماً ناجحة في المستقبل.
ومن أهم ما تربى عليه المرأة المسلمة منذ الصغر تربيتها على خلق الحياء، لأنه خلق عظيم من أخلاق الإسلام يبعث على فعل كل جميل ويمنع من فعل كل قبيح، وأشد هذه الأمة حياء هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وفي الحديث: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، قال ابن حجر – رحمه الله- : (ليس عجبا ما نراه من منكرات الأخلاق، إذا علمنا أن رادع الحياء قد مات، فالذي لا يستحي -عادة- يصنع ما يشاء بلا حرج من أحد).
وقد حكا القرآن الكريم والسنة النبوية ونقلت لنا كتب التاريخ أروع الأمثلة عن حياء النساء الصالحات والعفيفات. قال الله تعالى: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، قال المفسرون: (جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها تغطيه استحياء، فكلامها على استحياء ومشيتها على استحياء وحالها كله استحياء). وجاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بايعيني على ألا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني..) فلما سمعت فاطمة هذه الكلمة: (ولا تزني) وضعت يدها على رأسها وأنزلت وجهها من شدة الحياء، فأعجب بحيائها صلى الله عليه وسلم، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: يا فاطمة بايعي فإن النساء بايعن على هذا، فبايعت فاطمة.
وتقول عائشة رضي الله عنها: كنت أدخل بيتي – وكان قد دفن بالبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر- فكنت أقول لنفسي: أبي وزوجي فأخلع وأضع ثيابي، فلما مات عمر بن الخطاب دفن بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي، فاستحييت أن أخلع ثيابي، فكنت أشد ثيابي على نفسي حياء من عمر. وكانت امرأة النعمان الرجل الجاهلي تمشي ساترة وجهها، فوقع الغطاء دون أن تقصد وكانت بحضرة رجال، فقال النابغة من فوره:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فبـادرته واتقتنـا باليـد
ويقول الشاعر:
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
والمتأمل في واقع فتيات مجتمعنا اليوم يلحظ ظهور العديد من المظاهر السلوكية التي تتنافى مع خلق الحياء والتعاليم الدينية والعادات الاجتماعية الأصيلة، فحسرت عدد من الفتيات الحجاب عن وجوههن وشعورهن، ولبسن الثياب الضيقة والشفافة، وأطلقنا بألسنتهن الكلمات والألفاظ التي تخدش الحياء في المجالس والأماكن العامة، واختلطن بالرجال ورفعن أصواتهن وتشبهن بهم، وعاكسن الشباب وسمحن للشباب بمعاكستهن، وعققن آباءهن وأمهاتهن ونبذن قوامة محارمهن عليهن.
لذا تأكدت أهمية العناية بتربية الفتاة على خلق الحياء، وتعتبر القدوة الحسنة التي تشاهدها الفتاة في المنزل أهم الأساليب التربوية الفاعلة في هذا المجال، ومن مظاهر ذلك تأدب الأم مع الأب في المعاملة والكلام، وعدم الحديث مع الرجال الأجانب، وخفض الصوت إذا اضطرت إلى ذلك، والتزم الحجاب الشرعي والحياء والأخلاق الفاضلة عند الخروج.
كما يلقى على عاتق الأسرة التوعية الدينية والتوجيه المناسب قبل وعند رؤية أو سماع ما يخل بالحياء من الفتاة، وعدم السماح بدخول ما يفسد خلق الحياء داخل المنزل، ومن ذلك القنوات الفضائية التي تخالف ما يأمرنا به ديننا وتدعونا إليه أخلاقنا وتؤكد عليه قيمنا العربية، والتأكيد عليهن بمصاحبة ذوات الحياء ومجانبة غيرهن.
وللجهات التربوية والتعليمية دور بارز في تربية الطالبات على خلق الحياء، ومن ذلك التأكيد على العاملات في القطاع التعليمي (الأكاديمي والإداري) بضرورة التقيد بالملابس والألفاظ المحتشمة، انطلاقا من رسالتهن التربوية والتعليمية في تربية الطالبات، والتي رسمتها سياسة التعليم في هذه البلاد والمستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتأكيد على ضرورة استشعارهن بأنهم قدوة للطالبات، فكم من طالبة التزمت الحياء بسبب اقتدائها بمعلمة أو أستاذة جامعية.
أخيراً: إن الفتاة المتخلقة بخلق الحياء فخر لأهلها وكمال لأسرتها، وعون لبعلها.
أهلها بها يفخرون،،،،،،،،،،،
وأبناؤها وبناتها يسعدون،،،،،،،،،،
وفي مجتمعها يسمو شرفها ومجدها،،،،،،،،،،،
وتسمو به إلى ذرا الطهر والعفاف