33
هو الشيخ الإمام السيد محمد الخضر حسين، من أسرة كريمة أصلها من الجزائر، وفي بيتٍ من بيوت المجد والسعادة، وفي مدينة “نفطة” وهي إحدى المدن التونسيَّة، وُلِدَ في 26 من رجب 1293هـ، ومن المرجَّح أنَّ أسرته كانت تنتمي إلى أسرة “الأدارسة” التي حكمت المغرب فترةً من الزمن، ويؤكِّد هذا أنَّ أحد ملوك الأدارسة بالمغرب أصدر مرسومًا ملكيًّا إلى جدٍّ من جدود الخضر حسين يتعلَّق بهذا النسب، وكانت أمُّه تنتمي إلى أسرة فاضلة، مشهورة بالعلم والصلاح والتقوى، فهي كريمة الشيخ “مصطفى بن عزوز” من أهل العلم والفضل، وله ترجمةٌ في تاريخ “الوزير أحمد ابن أبي الضياف”، وأبو جده لأمِّه العالم الفاضل “محمد بن عزوز” وله ترجمة في كتاب “تعريف الخلف برجال السلف”؛ للشيخ “الحفناوى بن عروس”، وشهرته “ابن عروس”.
في حياة الشيخ “السيد محمد الخضر حسين” مواقف إسلاميَّة ووطنيَّة عظيمة؛ فظلَّ طوال حياته كارهًا للاستعمار، مناديًا بالتحرُّر، مندِّدًا بالاستعباد، وأنَّ الله سبحانه ما خلق الناس وشرع الجهادَ إلا من أجل أنْ يعيشوا في أوطانهم أحرارًا، وما قامت ثورة “23 يوليو 1952م” إلا للقضاء على الظُّلم والطُّغيان ومقاومته، وعدم استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وقامت الثورة لا في مصر وحدها وإنما في العالم العربي كلِّه، وأعلنت شعار القومية العربية، وأسهمت في استقلال السودان، وإجلاء الاستعمار عن مصر، وأعانت الثورة الجزائريَّة، ومدَّت يدَها إلى هيئات التحرُّر في البلاد العربيَّة، والإفريقيَّة والإسلاميَّة، وفي مستهلِّ عهد الثورة المصريَّة رأت أنْ يتولَّى قيادةَ الأزهر مناضلٌ عربي من زعماء علماء المسلمين ومن قادتهم في مُناضلة الاستعمار في أقطار العالم العربي، فاستقرَّ الإجماع على اختيار الشيخ محمد الخضر حسين، وفي يوم الثلاثاء 26 من ذي الحجة 1371هـ – 16 سبتمبر سنة 1952م خرج من مجلس الوزراء أثناء انعقاده ثلاثةٌ من الوزراء توجَّهوا إلى بيت الشيخ في شارع خيرت، وعرضوا عليه باسم الثورة مشيخةَ الأزهر، وهكذا ما كان أحد يتوقَّع للخضر حسين هذا المنصب في يومٍ من الأيَّام، ولقد قال هو بنفسه لأحد أصدقائه: ولقد سقطت المشيخة في حجري من حيث لا أحتسب.
ولقد وفَّق الله – سبحانه وتعالى – الشيخ الخضر في جميع مراحل حياته العلمية والعملية؛ فحصل وهو في مصر من الوظائف والرُّتب العلمية والأدبية على ما لم يحصل عليه غيرُ القليلين من شيوخها وعلمائها المشاهير؛ فعُيِّنَ عضوًا في “مجمع اللغة العربية”، ونال الإعجاب من زملائه لتمكُّنه من ناحية من اللغة العربية شعرًا ونثرًا وخطابة ومحاضرة، كما عُيِّنَ عضوًا في “جماعة كبار العلماء” برسالةٍ موضوعها “القياس في اللغة العربية”، ولقد أجاد فيها وأفاد، وساعده في ذلك ماضيه العلمي الواسع.
للشيخ الخضر حسين مقالات وأبحاث ومحاضرات كثيرة، نشير إلى بعضها:
المقالة السابقة