عنوان سعادة العبد

 

عنوان سعادة العبد أن يخلص لله، وأن يسعى في نفع الخلق ..

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

 

تدور هذه الحكمة الماتعة حول عنصرين رئيسيين هما (الإخلاص– نفع الخلق):

 

1- الإخلاص طريق السعادة:

 

إن إخلاص الأعمال لله تعالى أصل الدين وتاج العمل، وهو عنوان الوقار ،وسمو الهمة، ورجحان العقل، وطريق السعادة، ولا يتم أمر ولا تحصل بركةٌ إلا بصلاح القصد والنية ، وقد أمر الله نبيه (عليه الصلاة والسلام) بالإخلاص في أكثر من آية فقال له : ” فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ”

وأصل قبول الأعمال عند الله الإخلاص مع المتابعة، يقول ابن مسعود  رضي الله عنه- :” لا ينفع قولٌ وعملٌ إلا بنيةٍ ولا ينفع قولٌ وعملٌ ونيةٌ إلا بما وافق السنة ”

ما هي الأعمال التي أخلص فيها ؟

الإخلاص واجبٌ في جميع العبادات ، ليس في الصلاة وقراءة القرآن والأعمال الظاهرة فحسب ، وإنما يتعدى ذلك إلى كل فعلٍ يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ فواجبٌ فيه الإخلاص لأنه عبادةٌ ،مثل زيارة الجار وبر الوالدين، وحتى في جانب المعاملات المالية .

وحتى مقاطعتنا للمنتجات التى تأتينا من البلاد التى تتعرض لسب النبي الكريم كالدانمارك سابقاً، ومن على شاكلتهم اليوم من أمثال أمريكا يجب أن نخلص فيه لله لا من أجل الرياء، وإنما لنصرة حبيبه – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – .

ما هو ضابط الإخلاص؟

وضابطه أن تكون نيتك في هذا العمل لله لا تريد بها غير الله، لا رياءً ولا سمعةً، ولارفعةً ولا تترقب من الناس مدحاً ولا تخشى منهم قدحاً؛ فإذا كانت نيتك لله وحده ولم تزين عملك من أجل البشر فأنت مخلصٌ. يقول الفضيل بن العياض:( العمل لأجل الناس شركٌ، وترك العمل لأجل الناس رياءٌ ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما ).

فلنخلص – إخوة الإيمان والإسلام – جميع أعمالنا له سبحانه ولا نتطلع إلى المثوبة أو الأجر من أحدٍ، ولنضع نصب أعيننا قوله تعالى: ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ” 

 

2- السعادة فى نفع الخلق:

جميل أن تدخل السرور على قلوب الآخرين إذا احتاجوا لمساعدةٍ، وتكفيك دعوةً صادقةً من شخصٍ محتاج يسعدك الله بها .. وكما في الحديث (وخير الناس أنفعهم للناس ).عندما تساعد إنساناً على قضاء حاجته فإنه يشعر بالأخوة والمحبة فيما بينكما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

 

سعادةٌ لا تضاهيها سعادة عندما نكون سبب في سعادة الآخرين، قمة السعادة وقمة الفرح أن تكون مصدر فرحٍ للآخرين … الأجر من الله والتوفيق في الدنيا ..قال صلى الله عليه وسلم: { إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا, أو يقضي عنه دينًا, أو يطعمه من جوع}، و سُئِلَ الإمام مالك : “أي الأعمال تحب ؟” فقال: “إدخال السرور على المسلمين، وأنا نَذَرتُ نفسي أُفرِج كُرُبات المسلمين”


فقط اخلص النية ستأتيك المثوبة من عند الله تعالى…ويروى أن ابن عباس- رضي الله عنه- كان معتكفًا في المسجد النبوي؛ فجاءه رجلٌ يستعين به على حاجةٍ له؛ فخرج معه فقالوا له كيف تخرج من المعتكف؛ فقال:لأن أخرج في حاجة أخي خيراً لي من أن أعتكف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملا ً… فأرجوا أن نحرص عليها وحتى إن لم يكن صاحب الحاجة مقدراً لما تفعل فقط اخلص هذه المساعدة لله، واظفر بالأجر العظيم عند الله عز وجل.

 

كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استُخلف قالت جارية منهم :الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر :بلى وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله .


وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد بعض الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل .ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأةٍ . فدخل إليها طلحة نهاراً؛ فإذا عجوزاً عمياء مقعدةٍ؛ فسألها :ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت :هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني ، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى .فقال طلحة :ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع ؟! يقول أحد الشباب: يعلم ربي الذي يشهد علي أني أحس بسعادةٍ غامرةٍ عندما أساعد أحد وهو يدري أو لا يدري، ولكن أُفضل أنه لا يدري لكن يسعدني أن أرى السعادة غامرةٌ على وجهه..قال جعفر بن محمد الصادق رحمه الله:
لقضاء حاجة امرئٍ مؤمنٍ أحب إلى الله تعالى من عشرين حجةٍ، كل حجةٍ ينفق فيها صاحبها مائة ألفٍ.
يقول الشاعر:


وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ . . . . . تقضى على يده للناس حاجاتٌ


تقول إحدى الأخوات: دائماً أتمنى أن أساعد الغير وأقضي حوائجهم لأن هذا العمل يريحني ويسعدني ويبعد عني الأمراض النفسية، ولكن أصدم بردات فعل البعض. مؤسفٌ أن تنتظر كلمة شكرٍ من أحدهم ولا تجدها ..ولكن لابد أن نفعل الخير فقط لأننا نقتدي بنبينا، ويجب علينا أن ننتظر أجور الآخرة من الله تعالى..قال مجاهد :صحبت ابن عمر في السفر؛ لأخدمه فكان هو يخدمني أكثر.

 

أخى الكريم .. ساعد الناس واقض حوائجهم لطلب الأجر من الله سبحانه وتعالى ..لا تسعى لكلمة شكرًا من الناس، ومثل ما قال المثل (افعل خير وارميه في البحر )؛ فهنيئاً لمن أدخل السرور على قلب مؤمنٍ، طفلاً يتيماً كان أو شيخاً كبيراً أو امرأةً أرملةً أو أي فعلٍ من أفعال الخير، وتسهيل أمور الناس، والتخفيف عن آلآمهم، وعدم تعقيد أمورهم.. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سرّ مؤمناً فقد سرّني ، ومن سرّني فقد سرّ الله).

 

فعلى العاقل أن يستعين على قضاء حاجة نفسه بالسعي في قضاء حاجات المسلمين؛ فإنك إذا سعيت في قضاء حاجات المسلمين سعى الله نفسه في قضاء حاجتك.فأيهما خيرٌ لك؟، وبهذا يحصل ترابط المجتمع و تكاتفه و الارتقاء به إلى أعلى المراتب، يسود فيه الألفه والرحمة؛ فالكبير يقوم بواجبه تجاه الصغير، والقوي يقضي حاجة الضعيف، والغني يعطف على الفقير.

 

يقول أحد الشباب عن تجربةٍ شخصية له:( هناك شخص عندنا في الجامعة من الدفعة السابقة لنا قام بتصوير إحدى المذكرات لجميع طلاب دفعتنا من حسابه الخاص ،، فكان لها أثر عظيمٌ في أنفس الطلاب حيث قاموا بالدعاء له في ظهر الغيب ) قال الشاعر:


أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم . . . . . .فطالما استعبد الإنسان إحسان


فإن أردت أن يسهل الله قضاء حوائجك؛ فأعن الناس على قضاء حوائجهم ، فالجزاء من جنس العمل،فمَن مدّ يدَهُ لِـيُساعد الناسَ ثمّ احتسبَ أجرهُ ..هيّأ الله له مَن يُعينَهُ وَيسدّ فُرجَتَهُ، يقول أحد الإخوة:وقد وجدت – والله – أثر مساعدة الناس على حياتي من تيسير الله سبحانه لجميع أمورى، ولقد سمعت حديثاً بما معناه أن أسرع الناس مرورا على الصراط أناسٌ تقضى حوائج الناس على أي دينهم ، وهو من باب المسارعة إلى فعل الخير والمسابقة فيه كما قال الله تعالى: 
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }. قال الداراني: ( أني لأضع اللقمة في فم أخي فأجد طعمها في فمي ) .. فيمكن أن تنجو من النار وتدخل الجنة بفرج كربةٍ صغيرةٍ لا يلقى لها بال _فاغتنم الفرص قبل أن يغتنمها غيرك.

 

والله تعالى أعلى وأعلم، وهو حسبنا ونعم الوكيل …

 

 

نقل مع التصرف.

Similar Posts