لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
حكمة جليلة يعلمنا إياها النبى الكريم (صلوات الله عليه وسلامه)؛ كى تكون نبراسا يضىء لكل مسلمٍ ومسلمةٍ الطريق، ويفتح اه باب النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة.

” لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين “. نعم فالمؤمن ينبغى دائماً أن يتعلم من أخطائه سواء الأخطاء التى جعلته يقع فى المعصية، أو الأخطاء التى جعلته يقع فى مشكلةٍ أو مصيبةٍ معينةٍ تتعلق بأمرٍ من أمور الدنيا.

بمعنى أن المؤمن إذا كان – على سبيل المثال – مقيماً على ذنبٍ معينٍ أو معصيةٍ معينةٍ، وكانت هناك أسباب أو أخطاء معينة قد ارتكبها هى التى أدت به إلى الوقوع فى هذا الذنب أو تلك الخطيئة. حينئذٍ عليه أن يتعلم من هذه الأسباب، أو تلك الأخطاء التى أودت به إلى ذلك؛ حتى يتجنبها فى المرة القادمة؛ فيكون بذلك قد أخذ بكل الأسباب التى تحول بينه وبين اقتراف المعاصى والآثام، مع الإستعانة بالله تبارك وتعالى بالطبع أولاً وأخيراً قبل كل شىء؛ فالعبد ينبغى أن يستعين بالله عز وجل حق الإستعانة؛ فيعلق قلبه بالله تبارك وتعالى، ويعلم يقيناً أن كل شىء فى هذا الكون موكول بيده سبحانه وتعالى الذى يدبر الأمر ويصرف شئون هذا الكون، سبحانه الذى عنده مفاتح الغيب التى لا يعلمها إلا هو، ثم يأخذ بجميع الأسباب المشروعة مع الإعتقاد التام الجازم أن هذه الأسباب لا تنفع ولا تضر إلا بحوله وقوته تبارك وتعالى.

والمسلم الحريص على تقوى الله عز وجل ومرضاته، وكان صادقاً فى ذلك؛ فإنه سيصدق فى لجئه إلى المولى سبحانه وتعالى، ثم تكون لديه همة عالية فى العمل بجميع الأسباب المشروعة المتاحة التى تحول بينه وبين المعاصى وتعينه على تحصيل التقوى كما يرتضيها ربنا سبحانه وتعالى.

ومن تمام توبة العبد: أن يحذر غاية الحذر من ذلك السبب الذي أوقعه في الذنب، كحال من أدخل يده في جُحر فلدغته حَيَّة. فإنه بعد ذلك لا يكاد يدخل يده في ذلك الجحر، لما أصابه فيه أول مرة.
وكما أن الإيمان يحمل صاحبه على فعل الطاعات. ويرغبه فيها. ويحزنه لفواتها. فكذلك يزجره عن مقارفة السيئات، وإن وقعت بادر إلى النزوع عنها. ولم يعد إلى مثل ما وقع فيه.

وقد حذر الله المؤمنين من العود إلى ما زينه الشيطان من الوقوع في المعاصي، فقال {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ولهذا فإن من ذاق الشر من التائبين تكون كراهته له أعظم، وتحذيره وحذره عنه أبلغ؛ لأنه عرف بالتجربة آثاره القبيحة.

أيضاً فيما يتعلق بأمور الدنيا؛ فإن المسلم قد يتعرض لبعض المشاكل أو المصائب التى تعترض طريق حياته، وتقف فى بعض الأحيان عقبةً فى سبيل وصوله إلى هدفه المنشود المشروع الذى يأمله فى الحياة والذى يصب فى نطاق مرضاة الحق عز وجل؛ فعلى سبيل المثال قد يخبرك فلان أنه سينجز مهمةً معينةً فى وقتٍ محددٍ، ويعدك بذلك، ولكن تفاجىء فى نهاية المطاف أنه لم ينجزها فى هذا الوقت الذى حدده، أو أنه لم ينجزها على الوجه الأكمل؛ ففى هذه الحالة ينبغى أن تكون حذراً معه فى المرات القادمة، وتتعلم من هذا الموقف أن هذا الشخص لا يفى بما وعد به؛ الأمر الذى يجعلك أن تغير من أسلوبك فى التعامل معه، أو تتجنبه تماماً وتبحث عن شخصٍ آخر غيره.

ومن الأمثلة كذلك أن يتعرض المؤمن لواقعة نصبٍ من شخص ما فى معاملةٍ معينةٍ؛ ففى هذه الحالة؛ فإنه سيتعلم من هذا الموقف الذى تعرض فيه لهذا النصب؛ فيدرك جيداً الأسباب التى أدت إلى وقوعه فريسةً لهذا النصاب؛ فيكون حذراً فى المرات القادمة عندما يتعامل مع شخص آخر.

فهكذا فإن المؤمن يتعلم من المشاكل أو المصائب التى تواجهه فى الحياة؛ فيستفيد منها خبراتٍ وتجاربٍ متنوعة؛ تجعله – بفضل الله تعالى – لا يلدغ مرةً أخرى من خلالها؛ فهو يلدغ للمرة الأولى نظراً لكونه لم يستطع أن يدرك الأمور على حقيقتها بدايةً، ولكنه لا يلدغ مرةً أخرى بعدما تعرض للمشكلة أو المصيبة.

إن الأمة الإسلامية تعيش أياماً صعبة من حيث تكالب الأعداء واستئساد الذئاب وحياكة المؤامرات في السر والخفاء للنيل من دينها وعزتها وكرامتها حتى استباحوا الديار وانتهكوا المقدسات

لذا فإن المؤمن يجب أن يتحلى بالصفات اللازمة في مثل هذه الموقف ومنها أن « المؤمن كَيِّس ، فـَطـِن » وليس كيس قطن – كما فهم بعض المصحفين – يباع ويشترى وينسج منه ويلعب به

المؤمن (كَيِّس )أي عاقل والكيس العقل

(فَطِن) ذا بصيرة نافدة لأن الفطنة حدة البصيرة في بذل الأمور يفطن بزيادة نور عقله إلى ما غاب عن غيره فيهدم دنياه ليبني بها أخراه ولا يهدم أخراه ليبني بها دنياه

فما بالك برجل مؤمن صادق ذا عقل راجح وبصيرة نافدة جعلته يدرك بواطن الأمور حتى صار حازماً يحذر ما سيقع فلا يؤتى من جهة الغفلة

وما أكثر الغافلين المستغفلين في هذا الزمن

وليا ليتهم يقتدون بخير القرون الذين سادوا البلاد وعمروها بذكر الله سئل ابن عباس عن عمر رضي فقال‏:‏ ” كان كالطير الحذر يرى أن له في كل موضع شركاً ” ولا عجب أن قال رضي الله عنه : لست بالخَبَّ ولا يخدعني الخَبُّ . فلم يكن بالمخادع ولا المخادع يستطيع أن يخدعه

إذا فإن السذاجة المفرطة والوقوع في الخطأ مرة بعد مرة أمرٌ مشين ومنقصة لا تليق بالمؤمن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ » رواه مسلم ( 2998 )

قال النووي رحمه الله : وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِن الْمَمْدُوح , وَهُوَ الْكَيِّسُ الْحَازِم الَّذِي لَا يُسْتَغْفَل , فَيُخْدَع مَرَّة بَعْد أُخْرَى , وَلَا يَفْطِن لِذَلِكَ.

وقال أيضاً : وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ نَالَهُ الضَّرَر مِنْ جِهَة أَنْ يَتَجَنَّبهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا ثَانِيَة .

قال السندي رحمه الله : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون نَهْيًا أَيْ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون غَافِلًا بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُون مُسْتَيْقِظًا عَاقِلًا وَاَللَّه أَعْلَم .

فإذا جرب المؤمن فساد أمر يجب أن لا يعود إليه مرة أخرى

منقول بتصرف.

Similar Posts