ليست الحرية أن تفعل ما تشاء

 

ليست الحرية أن تفعل ما تشاء

، إنما الحرية أن تطيع رب الأرض والسماء

 

جعل الإسلام “الحرية” حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض.

ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن “الحرية” أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالى:((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره.

1/ مفهوم الحرية: يقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل الشيء أوتركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله ،بعيداً عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكاً لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته.

هل “الحرية” تعني الإطلاق من كل قيد ؟
لا يعني بطبيعة الحال إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ، ولذلك منع من اتباعه، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، فلم يقر لأحد بحرية دون آخر، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان، سواء كان فرداً أو جماعة، ولذلك وضع قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع ، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي :
أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.
ب- ألا تفوت حقوقاً أعظم منها،وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.
ج – ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين.
د – أن تكون فى حدود ما أمر به ونهى عنه الحق تبارك وتعالى به.
هـ – أن تؤدى إلى تحرر المرء من جميع المؤثرات الخارجية التى تقلل من حريته وحرية اختياره وقراره، وربما تسلبها كلها؛ لتعيد إليه جميع قواه النفسية والجسدية والمعنوية، وترفع عنه جميع الأغلال والقيود، ثم تقول له بعد ذلك : اختر الذى تريده (لا إكراه فى الدين).

وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة ،كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد ،ولكنه وازن بينهما ،فأعطى كلاً منهما حقه.

وكذلك يتبين الفرق بين الحرية من المنظور الإسلامى، والحرية المدعاة من منظور الديمقراطية.

الحرية في الديمقراطية يقوم بتحديدها وتحديد المسموح منها من الممنوع الإنسان القاصر الضعيف وفق ما تملي عليه أهواؤه ونزواته وشهواته، وهذا يعني أن مساحة الحرية في الديمقراطية تتسع أحياناً وتضيق أحياناً بحسب ما يراه الإنسان المشرِّع في كل يوم أو ظرف، وبحسب ما يظن فيه المصلحة!
وهذا يعني أن الشعوب تكون حقل تجارب، وهي في حالة تغيير وتقلب مستمر مع ما يجوز لهم ومالا يجوز لهم من الحرية ..!
بينما الحرية في الإسلام يقوم بتحديدها، وتحديد المسموح منها من الممنوع ، هو الله –تعالى- وحده، خالق الإنسان، والمنزه عن صفات النقص أو الضعف والعجز، العالم بأحوال عباده وما يُناسبهم وما يحتاجون إليه، وبالتالي فالحرية في الإسلام تمتاز بالثبات والاستقرار، فالذي يجوز من الحرية للإنسان قبل ألف وأربعمئة سنة يجوز له إلى قيام الساعة، فكل امرئٍ يعرف ما له وما عليه، والمساحة التي يمكن أن يتحرك بها كحق وهبه الله له !
كما أنها تمتاز بالحق المطلق والعدالة المطلقة؛ لأنها صادرة عن الله – عز وجل-، وهذا بخلاف الحرية في الديمقراطية الصادرة عن الإنسان الذي يحتمل الوقوع في الظلم والخطأ، والقصور!
الحرية في الديمقراطية يكون الإنسان فيها حراً في دائرة المباحات التي أذن له المشرَّعون من البشر أن يتحرك من خلالها !!
بينما الحرية في الإسلام يكون الإنسان حراً في دائرة المباحات والمسموحات التي أذن الله بها، وأذن لعبده استباحتها والتنعم بها والتحرك فيها!
الحرية في الديمقراطية تحارب وتنكر الشر الذي يتفق عليه المشرعون من البشر بأنه شرٌّ ، وهذا من لوازمه ـ بحكم جهلهم وقصورهم وعجزهم ـ أن يدخلوا كثيراً من الشر في دائرة الخير الجائز والمباح، كما أن من لوازمه أن يدخلوا كثيراً من الخير في دائرة الشر الممنوع والمحظور عقلاً وشرعاً!
فكم من أمر أجازوه تحت عنوان الحرية ثم بعد ذلك يظهر لهم خطؤهم وظلمهم فينقضونه ويمنعونه .. وكذلك كم من أمر يحرمونه ويمنعونه ثم يظهر لهم نفعه .. فيجيزونه ويُبيحونه .. وهذا كله يقلل من قيمة الحرية التي يدّعونها!
بينما الحرية في الإسلام .. تحارب وتنكر الشرَّ الذي حكم الله – تعالى- عليه بأنه شرٌّ .. الذي ما بعده إلا الخير .. وذلك لما ذكرناه آنفاً أن الله – تعالى- منزه عن الخطأ أو الزلل .. فهو لا يجيز إلا الخير والنافع، كما أنه لا يحرم إلا كل شرٍّ وقبيح! فالله – تعالى- جميل يحب الجمال ، وبالتالي فهو لا يُشرِّع إلا الجميل والجمال، فحاشاه سبحانه وتعالى أن يشرع القبيح أو يأذن به !
ومنه نعلم أن الحرية في الإسلام تتحرك في جميع ميادينها مع الجميل والجمال، وتبتعد كل البعد عن الخبائث والقبائح !
الحرية في الديمقراطية تُعبَّد العبيد للعبيد، فتجعل العبيد منقادين لعبيد ربما يكونون أقل منهم شأناً، يُشرَّعون ويُقنَّنون ويُحرَّمون ويُحلوَّن لهم، وليس على الآخرين إلا الطاعة والاستسلام والانقياد، والخضوع ..!
فأي حرية هذه مع العبودية للمخلوق ؟!
بينما الحرية في الإسلام تعمل على تحرير العباد ـ كل العباد ـ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه وتعالى .
فعبادة العبد لخالقه وحده عزٌّ، وفخر، ورفعة، وشرف ما بعده شرف، بينما عبادته للمخلوق العاجز الضعيف ظلم، وذلّ، وضياع وعذاب ما بعده عذاب!
الحرية في الديمقراطية تُخضع الإنسان لكثير من المؤثرات والضغوط الخارجية التي تفقده كثيراً من حرية الاختيار والتفكير: ضغط الإعلام بجميع فروعه وتخصصاته ووسائله، ضغط إثارة الشهوات ووسائل اللهو بجميع أصنافها وألوانها .. وما أضخمها وضغط الحاجة والسعي الدؤوب وراء الرزق والكسب ، ضغط سحرة الساسة والأحبار والرهبان ومدى تزويرهم للحقائق، وضغط المخدرات والمسكرات المنتشرة في كل مكان، وأخيراً التلويح باستخدام عصا الإرهاب والتهديد الجسدي والمادي لمن يستعصي على جميع تلك الوسائل والضغوطات، ولا يستعصي عليها إلا من رحمه الله .. وقليل ما هم!
فهذه الضغوط والمؤثرات تسلب المرء صفة حرية الاختيار، والتفكير، واتخاذ المواقف التي يريدها ويرضاها بعيداً عن تلك المؤثرات الخارجية المصطنعة التي يصعب الفكاك منها، فتسلبه حريته، وإن زعم بلسانه أو ظهر للآخرين بأنه حر !
لذلك نجد طغاة القوم ومستكبريهم وأحبارهم ورهبانهم، لا يحتاجون إلى مزيد عناء عندما يريدون من شعوبهم أن تسير في اتجاه دون اتجاه ، أو يريدون حملهم على استعداء جهة دون جهة ، أو على اختيار شيء دون شيء ، إذ يكفي لتحقيق ذلك أن يُسلطوا عليهم قليلاً من تلك المؤثرات والضغوطات الآنفة الذكر، ولفترة وجيزة من الوقت!
وهذه الضغوط والمؤثرات هي المعنية من قوله – تعالى-:( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(سـبأ:33).
ليس مكر الليل وحسب، أو مكر النهار وحسب، بل هو مكر الليل والنهار وعلى مدار الوقت، بحيث لا يُعطى المرء منهم لحظة واحدة يخلد فيها للراحة والهدوء والتفكير .. حتى لا يهتدي إلى الحق، ويعرف أين هو من الصواب !
بينما الحرية في الإسلام تحرر المرء من جميع تلك المؤثرات الخارجية التي تقلل من حريته وحرية اختياره وقراره، وربما تسلبها كلها لتعيد إليه جميع قواه النفسية والجسدية والمعنوية ، وترفع عنه جميع الأغلال والقيود، ثم تقول له بعد ذلك: اختر الذي تريده (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ).
الحرية في الديمقراطية تمر بصاحبها على الجيف المتآكلة، وعلى القبائح وعلى والأمراض وعلى الفساد ، وعلى كل ما يُفسد الذوق الجميل والطبائع السوية، فتجرئه على الشذوذ والاعتداء والإدمان على ذلك!
ومثله كمثل الذي يقود سيارة بلا كوابح، أو ضوابط، أو مراعاة لحقوق طريق أو مار، .. فيصطدم بالجميع .. ويمر على الجميع .. ويعتدي على الجميع!
بينما الحرية في الإسلام ، تمر بصاحبها على كل ما هو جميل أو طيب ، كما أنها لا تسمح له أن يتعدى ذلك، ليمر على الخبائث والجيف والأمراض فتحافظ على سلامة ذوقه، وتفكيره، وصحته، وإيمانه .
ومثله كمثل الذي يقود سيارة بكوابح وضوابط ، ينطلق حيث ينبغي الانطلاق، ويقف حيث ينبغي التوقف، ويُعطي كل ذي حقٍّ حقه من غير إفراطٍ ولا تفريط.
الحرية في الديمقراطية تظهر وكأنها منحة يمُّن بها الإنسان على أخيه الإنسان فيعطيه منها ما يشاء ويسلبها منه متى يشاء!
بينما الحرية في الإسلام حق وهبه الله – تعالى- لعباده، وفطرهم عليه ،لا منة فيه لمخلوق على مخلوق، لا يجوز أن يُسلب أو يُنتقص منه شيء إلا بإذن الله ، وبسلطانٍ بينٍ منه سبحانه وتعالى .. يتجسد هذا المعنى في مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض أمرائه:” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً “.
هذه هي الحرية في الديمقراطية ، وهذه هي الحرية في الإسلام .. فأي الفريقين أولى بالحرية، والسلامة، والحق ؟!.

منقول بتصرف.

Similar Posts