من لم يقرأ القرآن فقد هجره

 

مَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآَنَ فَقَدْ هَجَرَهُ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآَنَ، وَلَمْ يَتَدَبَّرَهُ فَقَدْ هَجَرَهُ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآَنَ وَتَدَبَّرَهُ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَقَدْ هَجَرْهُ.

بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ” كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ “، وأشهد أن سيدنا، وإمامنا وأسوتنا، محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة؛ فكشف الله تعالى به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

صلى اللهم وسلم، وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه، ” أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “.

القرآن الكريم كتاب الله تعالى منه بدا وإليه يعود، نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، تكفل الله بحفظه وتعبدنا الله بتلاوته وتدبر آياته ومعانيه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(24) سورة محمد.
جمع الله فيه خيري الدنيا والآخرة، من تمسك به نجا ومن أعرض عنه فقد ضل وفاز بالردى. يقول سبحانه وتعالى: ” فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ”

إن الذي ينظر إلى أحوالنا يجد أن أثر القرآن في الواقع وفي القلوب يكاد يكون معدوماً إذ أن القرآن الذي كان عند الصحابة هو نفس القرآن الذي بين أيدينا فما هو إذاً الخلل؟.

تعالوا بنا لنتأمل سوياً أسباب هذا الخلل حتى نتداركها، ثم نتبع ذلك بالحديث عن الآثار السيئة التى تترتب على هجر كتاب الله تبارك وتعالى، وقبل أن نشرع فى الحديث عن هذين الأمرين؛ نبدأ أولاً فى بيان أنواع هجر القرآن الكريم – كما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية – من خلال عباراته التى تحدث فيها عن هجر كتاب الله عز وجل.

1- هجر قراءته: فمن منا يقرأ القرآن يوميا؟! إن القرآن مقسم إلى ثلاثين جزء، ومتوسط كل جزء عشرون صفحة. فهل من الصعب قراءة عشرين صفحة يوميا؟ إنه أمر لا يستغرق منا سوى نصف ساعة. إن قراءة الصحف اليومية تستغرق من المرء أكثر من ساعة يوميا، فهل قراءة تلك الصحف أهم من قراءة القرآن؟!!

لماذا يثقل علينا قراءة القرآن أو الإستماع إليه، فى حين لا يثقل علينا الإستماع إلى الأغانى؟، لماذا يثقل علينا الإستماع إلى كتاب الله تعالى، فى حين لا يثقل علينا الإستماع إلى نشرات الأخبار فى المذياع؟، لماذا يثقل علينا الإستماع إلى كتاب الله، ولا يثقل علينا الجلوس أمام الأفلام والمسلسلات أومباريات الكرة، لماذا؟!!!

لماذا يثقل علينا، ولا يثقل علينا الجلوس بالساعات الطوال فى المقاهى، وتبادل الأحاديث فيما لاينفع ولا يفيد من المواضيع؟

هل نريد أن نكون ممن صدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: ” وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ “.

هل تريد أن تكون من القوم الذين قال الحق تبارك وتعالى بشأنهم: ” وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ”

لقد وصف النبى الكريم (صلوات الله عليه وسلم) حال الذى لا يقرأ القرآن؛ فقال عنه: ” مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأَتْرُجَّةِ: ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحَانَةِ: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: لا ريح لها وطعمها مر ”
أما آن لنا أن نعود إلى كتاب الله عز وجل، أما آن لنا أن نكون ممن صدق فيهم قول ربنا فى محكم تنزيله: ” أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ”

2- هجر التدبر: كثيراً منا يقرأ، أو يسمع كتاب الله عز وجل بقلوبٍ غافلةٍ لاهيةٍ لا تحاول أن تركز القلوب فى المعانى، لا تحاول أن تستحضر عظمة كلام الله عز وجل، وتتفاعل مع معانيه. كثير من المسلمين يشتكون من عدم الخشوع والإنقياد عند سماعهم لآيات الله عز وجل، والسبب إنما يكمن فى عدم محاولة تدبرها، وإستحضار أن المولى سبحانه وتعالى يكلمك، أنه سبحانه وتعالى يخاطبك كما قال القائل: (من أراد أن يتكلم مع ريه فليصل، ومن أراد أن يكلمه ربه فليقرأ القرآن). يالله !!!! لك أن تتخيل أخى المسلم، لك أن تتخيلى أختى المسلمة من الذى يناجيك،إنه الحق سبحانه وتعالى، رب العالمين، ملك الملوك، قيوم السماوات والأرض، مدبر الأمور، إليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، سبحانه وتعالى، الذى ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، رب كل شىء ومليكه.

يقول الحق سبحانه وتعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، ” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ”

إن الحق تبارك وتعالى يريد منك يا عبد الله أن تتفاعل بروحك ومشاعرك مع كتاب الله تبارك وتعالى، مع كلام المولى سبحانه وتعالى، لا أن تقرأه هكذا كما تقرأ صحيفةً، أو جريدةً يوميةً قراءةٍ عابرةٍ دونما إلتفاتٍ أو إنتباهٍ..

3- هجر العمل: مما لا شك فيه أن المقصود الأول والأخير من كتاب الله تبارك وتعالى هو العمل به. فالعمل بالتنزيل هو مربط الفرس، والغاية الكبرى التى من أجلها أنزل الحق تبارك وتعالى علينا القرآن العظيم.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( كان الرجلُ منَّا إذا تعلمَ عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرفَ معانيهن والعمل بهن ) .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي – من التابعين – : حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن ، كعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النَّبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : ” فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً ” .

وقد روى عن المصطفى (صلوات الله عليه وسلامه) أنه قال ” ليقرأن القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ” مجمع الزوائد – الصفحة أو الرقم 6/23

أى لا يجاوز حناجرهم؛ فهم يقرأونه بحناجرهم وألسنتهم فحسب دون أن يجعلوا ما يقرأونه يصل إلى قلوبهم؛ فيتدبرونه، ويعظمون ما جاء فيه من الأوامر والمنهيات؛ فيعملون بها، وهذا الحديث وإن نزل فى الخوارج، بيد أنه يشملهم، ويشمل كذلك كل من قرأ القرآن بلسانه وحنجرته، وحاول أن يزين صوته بما يقرأه دون أن يخشع ويخبت لما يسمعه من الآيات البينات فيعمل بما جاء فيها.

عن النواس بن سمعان (2) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهلَه الذين كانوا يعملون به في الدنيا تَقدُمُهُ سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما ” .
رواه مسلم
هذا الحديث يفسر الحديثين الذين سبقا تحت رقم 7 و 8 . فأهل القرآن أهل الله وخاصته ويأتي هذا القرآن شفيعا لصاحبه الذي كان يعمل به في الدنيا ومقدمة القرآن البقرة وآل عمران فهما يتقدمان في الشفاعة والذود عن قارئهما والعامل بهما ومن عمل بما في البقرة وآل عمران من أحكام فقد عمل بما في القرآن كله تقريبا لكثرة ما تحويان من أحكام .
قال أبو سعيد الخراز (3) رضي الله عنه : أول الفهم لكتاب الله عز وجل العمل به لأن فيه العلم والفهم والاستنباط وأول الفهم إلقاء السمع والمشاهدة لقول الله عز وجل :
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } (4) كما قال : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (5) والقرآن كله حسن ومعنى اتباع الأحسن مايكشف للقلوب من العجائب عند الاستماع وإلقاء السمع من طريق الفهم والاستنباط وأول إلقاء السمع لاستماع القرآن هو أن تسمعه كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأه عليك ثم ترقى عن ذلك فكأنك تسمعه من جبريل عليه السلام وقراءته على النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } (6) ثم ترقى عن ذلك فكأنك تسمعه من الحق عز وجل .
وأخرج الدرامي عن علي رضي الله عنه أنه قال : يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون مع الخلق يباهي بعضهم بعضا حتى أن الرجل ليغضب على جلسيه أن يجلس إلى غيره ويدعه . أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ” .
متفق عليه
الحسد الممقوت هو تمني زوال نعمة الغير والحسد الممدوح هنا هو تمني الحصول على مماثلة المحسود في العلم أو في المال .
القيام بالقرآن آناء الليل بتلاوته وتعلمه والتجهد به ويشبه أن يكون ذلك سرا لخفاء ذلك عن الناس . أما آناء انهار فهو العمل به علنا أمام الناس لأمر الله تعالى بالعمل ولكي يكون قدرة لغيره فيصيبه ثواب من اقتدى به .

منقول بتصرف.

Similar Posts