إثنان لا تذكرهما أبدا، واثنان لا تنساهما أبدا

 

إثنان لا تذكرهما أبدًا: إساءة الناس إليك، وإحسانك إلى الناس

، واثنان لا تنساهما أبدًا: الله والدار الآخرة.

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ….

 

تدور هذه الحكمة الجليلة حول ثلاثة محاورٍ رئيسيةٍ: ( نسيان إساءة الناس – نسيان الإحسان إلى الناس – عدم الغفلة عن الله والدار الآخرة):

 

نسيان الإساءة:

يقولون إن الذي يعجز عن نسيان الإساءة ( قلبه أسود ) وأقول إن عدم النسيان هذا لا يشير دائماً إلى سواد القلب

فبعض الأشخاص يستطيعون رد الإساءة بمثلها في وقتها
وهؤلاء يأخذون حقهم بأيديهم قولاً أو فعلاً

وبعضهم يختزنها في أعماقه لفترة … يتحين الفرص لكي يرد الإساءة بمثلها

فإذا ما تهيأت له الفرص المناسبة رد الإساءة بمثلها وربما بأكبر منها

والبعض الثالث يتغاضى عن الإساءة و يتناساها متعمداً ، يلقي كل شيء وراء ظهره وينظر إلى الأمام دائماً ،

واثقاً من أن ( التطنيش ) نعمة من الله عز وجل
تريح القلب والأعصاب والنفس عموماً

أما النوع الأخير فهو كذالك النوع الذي تجرحه الإساءة ، تؤلم مشاعره ، وتكسر قلبه

لكنه لا يرد وقتها ولا يرد بعدها ، كما أنه لا يستطيع تجاهل آثارها المطبوعة في قلبه

أبد الدهر فالألم يحفر خطوطه في أعماق نفسه ، والإساءة ظل على مدى السنين

والأيام ماثلة أمام عينه ، مستيقظة في عقله وقلبه ، ولكنه لا يقوى على الدعاء

على من أساء أليه ، ولا يشمت به في أثناء تعرضه لأي بلاء ، كما أنه يترفع

عن إلحاق الضرر به لو تهيأت له الفرصة ومع ذلك فهو ينسى …

لا يستطيع أن يجرد نفسه من مشاعر الأسى والألم والغضب في مواجهة من أساء إليه

يشعر بأنه لا ينتصر لنفسه التي تعرضت للإساءة ظلماً

لذا فهو يعجز عن بذل مشاعر الود أوالحب لمن أساء إليه …

هذه الحالة لا تعبر عن قلب أسود البتة .. بل أعتقد أن صاحبها على حق ..

ومن الخطأ أن نلون قلبه بالسواد رغماً عنه ، فالشعور بالظلم يولد الشعور بالقهر والقهر قد يدفع الإنسان

إلى القيام بأي عمل غير محمود ، فإذا تمكن الإنسان …

أي إنسان من مقاومة القيام بذلك العمل غير المحمود فلا اقل من أن يظل شعورة بالظلم

يملأ نفسه رغماً عنه ، فهل نلومه عن ردة فعله التي تعجز فقط عن النسيان لا أكثر
..!!
بالرغم من كل ذلك .. يظل هناك موقف قد تجاوز بعظمته كل المواقف في مواجهة الإساءات ، وهو موقف

التعامل مع الله عز وجل في كل الأمور وجعلها خالصه لوجهه الكريم

مما يعني تلمس الأجر الذي خصصه لمن عفا أو أصلح ، حيث نستطيع بتخيل حجم ذلك الأجر وأبعاده ، أن

ننسى كل الإساءات وأن نسقطها من نفوسنا عامدين متعمدين ،

طمعاً في ثواب أكبر وعفو لا ينقطع بإذن الله

ولنتذكر فمن عفا وأصلح فأجره على الله

ترى من أي الأنواع أنت ؟

وهل منا من يقدر على نسيان الإساءة ؟

 

نسيان المعروف والإحسان إلى الناس:

هذه مرتبة عالية ومنزلة رفيعة وهي ان تنسى مايصدر منك من احسان حتى كأنه لم يصدر

فمن أراد ان يرتقي في حسن الخلق فلينسى ماقدم من إحسان ومعروف حتى يسلم من المنة والترفع على الناس ولاجل أن يتاهل لنيل مكارم أخرى ارفع وارفع

قال ابن المقفع: ((إذا كانت لك عند أحد صنيعة أو كان لك عليه طول _فالتمس إحياء ذلك بإماتتة وتعظيمه بالتصغير له ولا تقتصرن في قلة المن به على أن تقول : لااذكره ولا أصغي بسمعي الى من يذكره فإن هذا قد يستحيي منه بعض من لايوصف بعقل ولاكرم ولكن احذر أن يكون في مجالستك))

((إياه وماتكلمته به أوتستعينه عليه أو تجاريه فيه شئ من الاستطالة فان الإستطاله تهدم الصنيعة وتكدرالمعروف))

فمن الناس من إذااعطى عطاء أو بذل نصيحة او اسدى معروفا اتبعه بالمن والأذى والإدلال على من احسن اليه وذلك الصنيع خلق ساقط لا يليق بأولي الفضل ولا يحسن بأهل النبل فالمنه تصدع قناة العزه فلا يحتملها ذوو المروءات إلا حالة ضروره ولا سيما منة تجئ من غير ذي طبع كريم او قدر رفيع

قال تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى “
قال رجل لبنيه: (( إذا اتخذتم عند رجل يدا فانسوها ))


وقال ابن عباس _ رضي الله عنهما _  : (( لا يتم المعروف إلا بثلاثبتعجيله وتصغيره وستره فإذا اعجله هنأه وإذا صغره عظمه وإذا ستره تممه))

ومع أن المنة وتعداد الأيادي ليس من صفات المكرام – إلا ان ذلك يحسن ويسوغ في حال المعاتبة والإعتذار 
قال ابن حزم – رحمه الله : (( حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما وهما المعاتبة والاعتذار فإنه يحسن فيهما تعديد الأيادي وذكر الإحسان وذلك غاية القبح فيما عدا هاتين الحالتين ))

 

الغفلة عن الله والدار الآخرة:

 

خطورة الغفلة: 


قال ابن القيم: ” إن أعظم الأسباب التي يحرم بها العبد خير الدنيا والآخرة ولذة النعيم في الدارين ويدخل عليه عدو منها هو الغفلة المضادة للعلم والكسل المضاد للإرادة والعزيمة هذان اصل بلاء العبد وحرمانه منازل السعداء وهما من عدم العلم ” مدارج السالكين (1J).
قال ابن القيم: ” لا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت ” الوابل الصيب (ص: 62).
قال ابن القيم: ” إن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة “الوابل الصيب (ص: 65)
عن الحسن أنه كان يقول : « ابن آدم ، إياك والتسويف؛ إنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غد لك فاكسب في غد كما كسبت في اليوم، وإن لم يكن لك لم تندم على ما فرطت في اليوم » الزهد والرقائق لابن المبارك (ص: 10).
قال ابن القيم : ” إن حجاب الهيبة لله عز وجل رقيقُ في قلوب الغافلين “ آفة حجاب الغفلة وسعار الشهوة (ص: 9)


يذكر ابن القيم: أن من أسباب الغفلة: فراغ القلب، وانشغاله، وإطلاق البصر ثم “ …. تنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه “ الجواب الكافي (ص: 127)بتصرف.
قال ابن القيم: ” فإذا اطمأنت من الشك إلى اليقين ومن الجهل إلى العلم ومن الغفلة إلى الذكر ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرثاء إلى الإخلاص ومن الكذب إلى الصدق ومن العجز إلى الكيس ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات ومن التيه إلى التواضع ومن الفتور إلى العمل فقد باشرت روح الطمأنينة، وأصل ذلك كله ومنشؤه من اليقظة … “ الروح (ص: 255-223) . 


قال ابن الجوزي: ” متى تكامل [العقل] فقدت لذة الدنيا فتضاءل الجسم و قوي السقم و اشتد الحزن؛ لأن العقل كلما تلمح العواقب أعرض عن الدنيا و إلتفت إلى ما تلمح و لا لذة عنده بشيء من العاجل ، و إنما يلتذ أهل الغفلة عن الآخرة و لا غفلة لكامل العقل “ صيد الخاطر – (ج 1 / ص 371).

 

أسباب الغفلة: 
قال ابن تيمية: ” أن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز و جل “ الوابل الصيب (ص: 99). 
قال ابن القيم متحدثاً عن قضاء الله تعالى على عبده: ” كل قضائه عدل في عبده فإنه وضع له في موضعه الذي لا يحسن في غيره، فإنه وضع العقوبة ووضع القضاء بسببها وموجبها في موضعه فإنه سبحانه كما يجازي بالعقوبة فإنه يعاقب بنفس قضاء الذنب، فيكون حكمه بالذنب عقوبة على ذنب سابق فإن الذنوب تكسب بعضها بعضا وذلك الذنب السابق عقوبة على غفلته عن ربه وإعراضه عنه، وتلك الغفلة والإعراض هي في أصل الجبلة والنشأة فمن أراد أن يُكمله أقبل بقلبه إليه وجذبه إليه وألهمه رشده وألقى فيه أسباب الخير ومن لم يرد أن يُكمله تركه وطبعه وخلى بينه وبين نفسه؛ لأنه لا يصلح للتكميل وليس محله أهلاً ولا قابلاً لما وضع فيه من الخير “ شفاء العليل (ص: 276).
قال ابن القيم: ” إن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق “ روضة المحبين (ص: 104).


آثار الغفلة وعلاجها: 
قال ابن القيم: ” إن الغافل بينه وبين الله عز و جل وحشة لا تزول إلا بالذكر “ الوابل الصيب (ص: 63 )
قال ابن القيم: ” صدق التأهب للقاء الله من أنفع ما للعبد وأبلغه في حصول استقامته فإن من استعد للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها، وخمدت من نفسه نيران الشهوات، وأخبت قلبه إلى الله، وعكفت همته على الله وعلى محبته، وإيثار مرضاته، واستحدثت همة أخرى وعلوما أُخر، وولد ولادة أخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمه فيولد قلبه ولادة حقيقية كما ولد جسمه حقيقة، وكما كان بطن أمه حجاباً لجسمه عن هذه الدار فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة فخروج قلبه عن نفسه بارزا إلى الدار الآخرة كخروج جسمه عن بطن أمه بارزاً إلى هذه الدار … فيقول القائل كيف يولد الرجل الكبير أو كيف يولد القلب لم يكن لهم إليها همة ولا عزيمة؟ إذ كيف يعزم على الشيء من لا يعرفه ولا يصدقه؟ ولكن إذا كشف حجاب الغفلة عن القلب صدق بذلك وعلم أنه لم يولد قلبه بعد والمقصود أن صدق التأهب للقاء هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة والأحوال الإيمانية ومقامات السالكين إلى الله ومنازل السائرين إليه من اليقظة والتوبة والإنابة والمحبة والرجاء والخشية والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح “ طريق الهجرتين (ص: 276). 
قال ابن القيم: ” إشراق الأرض بالنبوة وظلمتها بفقدها، المعرض عنها يتقلب في ظلمات، والمؤمن في أنوار فأهل الأرض كلهم في ظلمات الجهل والغي إلا من أشرق عليه نور النبوة “هداية الحيارى (ص: 192).
قال ابن القيم : ” بعث الله رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فمن أجابهم خرج إلى الفضاء والنور والضياء، ومن لم يجبهم بقي في الضيق والظلمة التي خلق فيها، وهي ظلمة الطبع وظلمة الجهل وظلمة الهوى وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها “ هداية الحيارى (ص 192)

منقول بتصرف.

Similar Posts