احفظ لسانك أيها الإنسان

 

احـفَظ لِسَــانَكَ أيُّهـَا الإنسـَــــان لا يَلــــدَغـنــَّـكَ إنـــّه ثُعْــبــَـانٌ

كَمْ فِىِ الْمَقَـاَبِرِ مِنْ قَتِيِلِ لِسَــاَنِهِ كَاَنَتْ تَخَاَفُ لِقَـاَءَهُ الْشُــجْعَاَنُ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذى علم القرآن، وخلق الإنسان، وعلمه البيان، الحمد لله الذى أسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونصلى ونسلم على سيدج الأولين والآخرين، والمبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم اللهم تسليماً كثيراً.

باللسان نبني الأنفس ونذكر الله ونقرأ كتابه وبه نصير مفاتيح خير مغاليق شر، ولكن إذا أصابت اللسان آفاته، عبد غير الله تعالى وأشرك به, وأحدثت البدع وقرحت أكباد وعذب أبرياء ومظلومون، وخربت بيوت وطلقت نساء وقذفت محصنات ونهبت أموال، فهلا بحثنا عن علاج لآفات ألسنتنا.

يقول المولى سبحان وتعالى “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
(18)” سورة ق

اللسان هو المعبر عما في قلب الواحد منا، فالإنسان عبارة قلب في الداخل ولسان نسمع منه الخير والشر فإذا اعتبرنا أن هذا القلب إنما هو إناء وأن اللسان عبارة عن مغرفة تأخذ من هذا الإناء فبقدر ما يمتلئ هذا القلب من خير, نرى هذا على طرف اللسان نسمع خيرا من صاحبه, وإذا ملأ والعياذ بالله رب العالمين بغير ذلك ما سمعنا إلا ما هو امتلأ به هذا القلب.

كثير من المسلمين – إلا من رحم الله – للأسف الشديد لا ينتبه إلى خطورة هذا العضو، إلى خطورة هذا اللسان، خطورة ما يخرج من اللسان، خطورة ما يكتب للسان أو يكتب عليه,كان معاذ رضي الله عنه يتعجب ” أو مؤاخذون على ما نقول يا رسول الله” أو مؤاخذون على ما تنطق به ألسنتنا هكذا معنى كلام معاذ هل يؤاخذنا رب العباد سبحانه بما نتكلم به إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

يقول له الحبيب صلى الله عليه وسلم لمعاذ ولنا ” ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم”.

إذا القضية خطيرة ولابد أن نتحدث فيها، الناس يظنون أن الكبائر إنما هي أن يشرب الإنسان الخمر والعياذ بالله أن يتعامل بالربا أن يرتكب الفاحشة أن يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ألا يصلي ألا يؤدي زكاة ماله، نعم كل هذه كبائر وكل هذه موبقات خطيرة تردي الإنسان وتهلكه إلا إذا تاب ونزع وابتعد عما يغضب الله سبحانه وتعالى.

لكن كثيرا من الناس ينسون كبائر متكررة في اليوم والليلة، هذه الكبائر منبعها وللأسف الشديد لسان العبد، روي عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه قال “قلت: يا رسول الله أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك؟ قال: “قل آمنت بالله ثم استقم. قلت: فما أتقي؟ فأومأ بيده إلى لسانه”.

يعني إذًا القضية قضية لها مكانتها، أن يتقي الإنسان هذا العضو، أن يتقي الإنسان هذا المكان الذي يأتي أو يحصد الإنسان منه شرًا. لأن الحكماء يقولون أن جرح اللسان أنكى من جرح السنان، أي جرح اللسان أشد تأثيرا من جرح السنان و جرح السكين وجرح السيف وجرح السلاح الأبيض، لكن جرح اللسان أشد ألما وأكثر إيلاما وأشد تأثيرا، ولذلك الحكيم العربي يقول: (جراحات السنان لها التئام ولا يلتأم ما جرح اللسان).

ولذلك روي عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: ” أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وأبكِ على خطيئتك”.

وكان سهل بن سعد السعيدي – رضي الله عنه – يقول: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “من يتكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة”. إذًا قضية مكانة اللسان وخطر اللسان قد يستهين الإنسان بها. واللسان فيه من الكبائر مالا يحترس الكثير من الناس منه، كبائر لا تنتهي، كبائر اللسان عند الغيبة والنميمة والفحش في القول، وقول الزور، وغير ذلك، لا، إنما المسألة أن كبائر كثيرة موجودة في اللسان تسمى عند العلماء “آفات اللسان”. ونحن في هذه الحلقات إن شاء الله رب العالمين سوف نتحدث عن هذه الآفات حتى ينتبه المسلم لما يخرج منه حتى يكون أغلب وجل كلامه إن لم يكن كلامه كله في مرضاة الله سبحانه وتعالى.

نجد أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: “تقوى الله وحسن الخلق” وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: “الأجوفان – الفم والفرج” لأن الفم هو بداية الشر إذا طرق الإنسان باب الشر. وقلنا في حديث يحفظه الجميع في قضية معاذ ” أو مؤاخذون على ما نقول يا رسول الله” قال : ” وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم”.

وكان أنس يروي هذا الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- “لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”يعني القلب كأنه يتبع اللسان،واللسان يتبع القلب، وهذه عملية عجيبة، يعني إذا استقام قلب العبد يستقيم اللسان، وإذا حاول العبد أن يكون لسانه مقوما بقول الخير يجد أن القلب يتقلب من هذا، أو يتقلب إلى الطاعة التي لا تخرج إلا إيمانا، فالإنسان لا يستقيم إيمانه حتى يستقيم قلبه، وقلبه لا يستقيم حتى يستقيم لسانه، فالمسألة متداخلة، والمسألة أن الإنسان وحدة واحدة، وإن كان يتكون من قبضة من تراب الأرض ونفخة من روح الله سبحانه وتعالى. هذه القبضة وتلك النفخة لما نفخ الله عز وجل في أبينا آدم أسجد له الملائكة وأمر الملائكة أن تسجد له، عندئذ رأينا أن الملائكة ما سجدت إلا بعد أن نفخ الله عز وجل فيه من روحه، إذًا هذه النفخة صيرت هذا الإنسان إذا استقام على طريق الله عز وجل له أفضل عند الله من الملائكة، وإذا تغلب الجانب الطيني والجانب الترابي والجانب المادي على الجانب الروحي الذي في هذا الإنسان؛ صار عند الله أسوأ من الشيطان والعياذ بالله رب العالمين.

ورأينا في كتب التاريخ والسير والتراجم أن عمر – رضي الله عنه- رأى الصديق أبا بكر –رضي الله عنه- وهو يمد لسانه بيده كأنما يمسك لسانه بيده، فيقول له عمر: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: يا عمر، هذا أوردني الموارد. وفي رواية أخرى قال: هذا الذي أوردني موارد التهلكة. انظر إلى الصديق الذي كانت تقول عنه عائشة أنه ما كان يتحدث في أمور الدنيا إلا بكلمات النزر اليسير، أو الكلمات القليلة، ونحن طوال الوقت إذا عددنا الكلمات التي نتكلم فيها في أمور الدنيا سوف نجدها لا حصر لها وللأسف الشديد.

وروي عن ابن مسعود أنه كان يقف على الصفا وهو يعتمر ويقول :”يا لسان قل خيراً تغنم وأسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم”. والله لو وضع كل واحد كل مسلم ومسلمة، كل زوج وكل زوجة، كل صغير وكل كبير، وضع هذه الحكمة قبالته أمامه يطالعها كل صباح، يطالعها كل ظهيرة، يطالعها كل مساء؛ يستقيم حاله. “يا لسان قل خيرا تغنم وأسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم” لأن الإنسان عندما تجمع له حصائد لسانه يوم القيامة، الحصاد الذي يأتي من هذا اللسان من كلام الشر ومن كلام السوء يندم كثيرا يوم القيامة، أما الذين صمتوا عن الشر هؤلاء هم الذين فازوا، ولذلك لما قال ابن مسعود هذا الكلام قيل له: يا أبا عبد الرحمن أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته؟ يعني هل هذا الشيء تقوله من نفسك أو من بنات أفكارك أو شيئا سمعته من أحد، قال بل سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه، ولذلك روي عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن؟ قالوا: بلى يا رسول الله. يعني نعم نريد أن نعرف. قال: الصمت وحسن الخلق” الصمت، ونحن صغار كلنا تعلمنا، “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”. وسمعنا عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جاء إعرابي إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: “أطعم الجائع، وأسقي الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير” يعني إن لم تستطع أن تطعم الجائع لأنك فقير، أو تسقي الظمآن لأنه لا ماء عندك، أو لم تستطع أن تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر لأنك ربما تكون ضعيف الشخصية أو تخاف؛ فإن لم تطق هذا فكف لسانك إلا من خير، يعني لابد أن تكف اللسان إلا أن تتكلم في الخير لأن الإنسان لا يكف لسانه عن قول الخير، وقيل إن لسان المؤمن وراء قلبه؛ فإذا أراد المؤمن أن يتكلم بشيء تعقله أولا وتدبره أولا وفكر فيه قبل ذلك ثم أمضاه لسانه ولسان المنافق، وفي قول أن لسان الجاهل أمام قلبه فإذا هم بشيء أمضاه دون أن يفكر ودون أن يعيده على عقله ودون أن يتدبر فيه ولم يتدبره بقلبه، هذا هو الإنسان الذي ترك لسانه للشر حتى قال طاووس الكيساني –رضي الله عنه-: “لساني سبع إن أرسلته أكلني”، يعني إن أطلق لسانه كان سببا في هلاكه، كأنما هو يشبه اللسان بسبع يريد أن يلتهمه. الحسن البصري –رضي الله عنه- تكلم قوم عند معاوية والأحنف بن قيس ساكت، فقال: مالك يا أبا بحر لا تتكلم؟ فقال(أنظر إلى صدق القول): أخشى الله إن كذبت وأخشاك أن صدقت. يعني إن نافقتك أخشى رب العباد –عز وجل- وإن قلت الصدق أخشى أن تغضب أنت. إذا هو ساكت لأنه يسلم بهذا.

ولذلك يقال أن أربعة من أهل الحكمة اجتمعوا في مكان فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل، يعني الشيء الذي قلته هذا شئ أندم عليه و الشيء الذي لم أقله هذا شئ لا أندم عليه, فقال الآخر أو الثاني: إني إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني. يعني أنا إذا تكلمت بالكلمة صارت الكلمة هي التي تملكني وإذا أنا لم أتكلم بها أنا الذي صرت أملكها، وقال الثالث: عجبت للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه. فقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت، لأنني إذا قلت لا أستطيع أن أرد.
ولذلك روي أن النبي –صلى اله عليه وسلم- رأى في رحلة المعراج أن ثورا كبيرا يخرج من ثقب إبرة ثم يريد أن يعود فلا يستطيع فتعجب وسأل يا جبريل: ما هذا؟ قال: هذا هو الرجل من أمتك يتكلم بالكلمة، ثم يريد أن يعيدها أو يسترجعها فلا يستطيع. وسأل يا جبريل: ما هذا؟ قال: هذا هو الرجل من أمتك يتكلم بالكلمة، ثم يريد أن يعيدها أو يسترجعها فلا يستطيع.

منقول بتصرف.

الدكتور/ عمر عبد الكافى.

Similar Posts