الجندية والقيادة وجهان لعملة واحدة

 

من يستطع أن يكون جندياً؛ فلن يقدر أن يكون قائداً فى يومٍ من الأيام.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) …

 

فمن المتعارف عليه دوماً بين جميع البشر أن كل شىءٍ يأتى بالتدريج؛ فالتدرج سنة من سنن الحياة التى أودعها الحق تبارك وتعالى فى خلقه؛

 

التدرّج سُنّة من سنن الله ، وقانون من القوانين الكونية التي لا تبديل لها ولا تحويل، هو سنة من سنن الخلق الإلهي للكون والعالم بسمواته وأراضيه {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]. فتدرَّج خلقُ الله لها في ستة أيام -من أيامه سبحانه- وهو القادر على أن يقول لها في جزء من اللحظة كن فتكون.

والتدرج سنة من سنن الله في خلقه للإنسان الأول آدم

. وبعد المراحل الخمسة (التراب فالماء فالطين فالحمأ المسنون فالصلصال) كانت مرحلة النفخ الإلهي في “مادة” هذا الخلق من “روح الله”، فكان أن استوى هذا المخلوق “إنسانًا”، هو آدم {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: 59]،{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7]، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:28، 29].

 

وبسنة التدرج عبر الأطوار والمراحل كان خلق الله وتكوينه لكل مخلوق من ذرية آدم

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12- 14]. فكان التدرج سنة كونية مطردة في خلق الله للعالم وللإنسان الأول ولكل إنسان.

كذلك شاء الله أن يكون التدرج والتطور سنة مطردة في مسيرة الشرائع السماوية التي جعلها سبحانه “لطفًا” لهداية الإنسان، فمع وحدة الدين عبر حقب وأمم النبوات والرسالات كان تدرج وتطور الشرائع مع واقع هذه الأمم، ومع نمو المستوى العقلي لأمم هذه الرسالات.

ومن هذا التدرج أيضاً أن تجد المرء يبدأ صغيراً فى أى مجالٍ من المجال، ثم يترقى رويداً رويداً حتى يصل إلى أعلى مرتبةٍ فى مجاله

ويندر جداً – إن لم يكن مستحيلاً – أن تجد إنساناً يعلو هكذا مباشرةً فى مجاله دون أن يمر بعدة مراحلٍ مختلفةٍ قبلها وصولاً إلى أعلى مرتبةٍ، وإن حدث وعلا هكذا مباشرةً دونما المرور بتلك المراحل؛ فإنه غالباً ما سيسقط؛ ذلك أن المرور بتلك المراحل هو الذى سيعطيه الخبرة اللازمة والخلفية المطلوبة التى تؤهله للترقى إلى الدرج الأعلى من السلم؛ فكل درجٍ يعبره يكسبه خبرةً وخلفيةً ليس بمنأى أن يستغنى عنها أو يخلفها ظهره.

وهذا هو المعنى الذى تهدف إليه هذه الحكمة الجليلة (من لم يستطع أن يكون جندياً؛ فلن يقدر أن يكون قائداً فى يومٍ من الأيام).

منقول بتصرف ..

والله تعالى أعلى وأعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل …

Similar Posts