الشيخ/ إبراهيم حمروش

إبراهيم حمروش

نسبه وبيئته ونشأته وتوليته للمشيخة :

هو الإمام الفاضل والفقيه العالم والإمام المصلح، فضيلة الشيخ إبراهيم حمروش، وُلِدَ في العشرين من شهر ربيع الأول 1297هـ (10 مارس 1880م) في قرية “الخوالد” التابعة لمركز إيتاي البارود – محافظة البحيرة، وقد وُلِدَ في بيت عزٍّ وشرف وعلم، وفي قريته حفظ القُرآن الكريم، وختَمَه وهو في الثانية عشرة من عمره، كما ألمَّ ببعض العلوم المؤهِّلة لدخوله الأزهر، فأرسله والده للأزهر، وكان والده – رحمه الله – تقيًّا ورعًا، مستمسكًا بشعائر الدِّين، فكانت وصيَّته لابنه حين ودَّعه بأنْ يلتزم بأداء الصلاة لأوَّل وقتها؛ لأنَّ التسويف قد يكون وسيلةً للتمهُّل، ثم الإهمال، وقد التزم الشيخ بوصيَّة أبيه طيلة حياته؛ فكان يقوم للصلاة بمجرَّد سماع الأذان.
ونشأ متفتِّح الذهن، متعدِّد المواهب؛ حيث تتلمذ على أيدي أساتذة أجلاء، انتفع بعلمهم وثقافتهم وتجاربهم وأخلاقهم؛ فقد درس الفقه الحنفي على يد الشيخ أحمد أبي خطوة، واختصَّ به، وكان موضع إعجابه وثنائه، وأخذ عن العالم الكبير الشيخ محمد بخيت، كما درس النحو والصرف على يد الشيخ علي الصالحي، كما لزم الإمام محمد عبده، فأخذ عنه علوم البلاغة وأسرارها، والبصائر التعبيرية، ودرس علم المنطق؛ لابن سهلانة، كما تمسَّك بشجاعة كبيرة في إصلاح مناهج الأزهر، ومناهج النهضة الاجتماعية والسياسية لتقدم الشعوب الإسلامية.
كما انفرد بموهبته في العلوم الرياضيَّة جعلته يُقبل على هذه العلوم بالدرس والتحصيل، وقد فاز في امتحانات العلوم الرياضيَّة أكثر من مرَّة، والتي كانت تُعقَد على مستوى الدولة، وفي سنة 1906 م – 1324هـ تقدم لامتحان الشهادة العالميَّة “الدكتوراه”، وكان صغير السن بالنسبة لأقرانه، وتعرَّض الشيخ حمروش لامتحانٍ دقيق عسير ظلَّ مضربَ المثل مدَّةً طويلة، وفاز فيه بالدرجة الأولى عن جَدارةٍ واستحقاق؛ لأنَّه جمَع بين الصلاح والتُّقى والحجَّة، وقد فتحت هذه الشهادة أمام الشيخ حمروش أبوابَ الوظائف المرموقة، وكان من علماء الحنفيَّة، بدأ حياته العلمية مدرسًا بالأزهر سنة 1906م، ولمَّا فتح مدرسة “كلية” القضاء الشرعي، وكان يختار أساتذتها من صفوف العلماء المبرزين بالأزهر، فاختِير في سنة 1908م للتدريس في كليَّة القضاء الشرعي مدرسًا لمادَّة الفقه وأصوله.
بعد هذه الحياة المليئة والمشحونة بالأعمال المهمَّة، صدَر قرار رسمي بتعيين الشيخ إبراهيم حمروش شيخًا للأزهر في تاريخ 30 من ذي القعدة سنة 1370هـ الموافق سبتمبر 1951م، وكان أوَّل عملٍ قام به وتوجَّه إليه هو إنهاء الخلاف حول ميزانية الأزهر، فقد تمسَّك بزيادة الميزانيَّة وإعادة الدرجات التي سُلبت منها، مع أنَّ البلاد كانت تمرُّ بمِحَنٍ قاسية، واشتِداد ضغط الاستعمار الإنجليزي على مصر، فتقدَّم الشيخ حمروش لأداء واجبه الوطني؛ فدعا إلى توحيد الصفوف، وأصدر بيانًا رسميًّا حماسيًّا، يدعو فيه الأمَّة إلى الوحدة والجهاد، في سبيل السيادة والحرية والاستقلال، ولمَّا اعتدى الجيش الإنجليزي على رجال الشرطة المصريَّة في الإسماعيليَّة وحاصَر مقرَّهم وقتل العشرات منهم، فشارك الإمام حمروش الشعب في غضبه، وأصدر باسم الأزهر؛ علمائه وطلابه ورجال إدارته، بيانًا قويًّا شجاعًا شجب فيه هذا الاعتداء الغاشم من الإنجليز، وحثَّ العالم كلَّه على التنديد ببغيهم.

آثاره العلمية وتأثيره ومصنفاته :

والتراث العلمي للشيخ حمروش واسع؛ فعلاوةً على أنَّه كان يُمارس الكتابة في الصحف والمجلات، وكانت له عشرات المقالات في الإذاعة ومحاضراته في المحافل والمناسبات العامَّة، وكان المثقَّفون يحرصون كلَّ الحرص على الاستماع إلى هذه المحاضرات، هؤلاء المثقَّفون كانوا من مختلفي الطبقات والفئات والأدباء؛ وذلك لأنَّ الشيخ كان فصيح العبارة، لطيف الإشارة، طلق اللسان، لبق البيان، والملاحظ أنَّ تخصُّصه الأول كان في اللغة العربية وآدابها، وكان له الباع الطويل في الرأي إذا اختلفت الآراء.
من آثاره العلمية المهمَّة جدًّا أنَّه طرأ للمجمع في بعض جلساته موضوع رسم خط المصحف العثماني؛ حيث أُريد أنْ يكتب بغير الخط العثماني، وطلب من الشيخ أنْ يكتب رأيه، فكان رأيه وجوب الوقوف عند الرسم المعهود له؛ وهو الخط العثماني، ولا ينبغي كتابته بالخط العادي؛ لأنَّه عرضة للتبديل والتغيير في كلِّ عصر.
كما أنَّ له مقالاتٍ وأبحاثًا عديدة نشرتها الصحف، يمكن أنْ تُؤلف كتابًا، إضافةً إلى بيته الذي كان محجَّة لأهل العلم والفكر والأدب، ينهلون من مورده، العذب، ويسمعون ما طاب من أجود الأحاديث في أدقِّ العلوم والمناهج، ممزوجًا بفاكهةٍ حلوة، وطيب سمر، كما هي عادته دائمًا.

وفاته :

كان – رحمه الله – عطوفًا على ذوي الحاجات، يسعى في قضاء حاجاتهم بما لديه من جاهٍ عند أولي الأمر، لا يدَّخر وسعًا في سبيل ذلك، والمعروف عنه أنَّه رعى أسرًا فقيرة عضَّها الدهر بأنيابه، وأناخ عليها الدهر بكلكلِه، حتى استقام أمرها، وبان رشدها، وإنَّ الأزهر ومجمع البحوث ليبكيان فيه الصلاح والتُّقى، والعلم الغزير والفضل الجم؛ لأنَّه كان – رحمه الله – طيِّب النفس، بعيدًا عن التزمُّت.
ولقد لبَّى فضيلة الشيخ إبراهيم حمروش نداء ربِّه الكريم في يوم الجمعة الرابع عشر من نوفمبر سنة 1960، فرحمه الله رحمةً واسعة، وأسكنه فسيحَ جنَّاته، وجزاه الله جزاء الصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا، وسلام عليه يوم وُلد ويوم مماته ويوم يُبعث حيًّا، وهكذا دائمًا نرى أنَّ موت الأمَّة في موت العالم.

Similar Posts