القلق والحزن كيف الخلاص؟

وبدأت هذه الحالة تأتيني منذ ثلاث سنوات تقريباً، وتحديداً عند تخرجي من الثانوية العامة، وبدأت أتضايق من جلوسي في البيت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة، أعاني دائماً من القلق والهم والحزن، وكثيراً ما أشعر بالفراغ والملل والخمول حتى لو أخذت قدراً كافياً من النوم.
وبدأت هذه الحالة تأتيني منذ ثلاث سنوات تقريباً، وتحديداً عند تخرجي من الثانوية العامة، وبدأت أتضايق من جلوسي في البيت وأحب العزلة عن الناس، لدرجة أني تركت الجامعة ولا أعلم السبب إلى الآن، وكثيراً ما أشعر بأني مريض نفسي أو أني مصاب بالعين، فأرشدوني.
ولكم كل الشكر والتقدير.

الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنك قد لخصت ما تعاني منه بعباراتٍ واضحة، ومع أنك قد ذكرت أنك لا تدري السبب الذي جعلك على هذه الحال التي وصلت إليها، إلا أن من يقرأ هذه الكلمات القليلة التي شرحت فيها حالك وبينت فيها معاناتك يجد بوضوح أنك قد شخصت هذا المرض، فإنك تعاني من القلق، وتعاني من هم وحزن يجعلك تشعر نفسك كئيباً ومحبطاً، وتشعر أن لا هدف لك ظاهر في هذه الحياة، وأنك تخاف من المستقبل وتخاف مما قد يقع لك في أيامك القادمة.
وإن هذا القلق الذي تشعر به هو الذي أدى بك إلى مثل هذه الحال، فقد ذكرت أنك عندما تخرجت من الثانوية العامة بدأت تشعر بالضيق، وبدأت تشعر بأنك تميل إلى العزلة وأنك تود مفارقة الناس، وأثر ذلك عليك حتى تركت الدراسة في الجامعة ثم شعرت بعد ذلك بالاستغراب لما حصل لك ولما وقع لك من هذه الحال، وهذا الأمر الذي أشرنا إليه – وهو أمر القلق – هو الذي جعلك تشعر بشيءٍ من النفور من المخالطة للناس، وشيءٍ من النفور في الاستمرار في الدراسة، وهو الذي جعلك تشعر أيضاً بالإحباط الذي أشرنا إليه حتى صرت تميل إلى العزلة وإلى ترك المشاركة في الحياة العامة، سواءٌ كان ذلك بالدراسة أو غيرها، لا سيما إذا نظرنا إلى عدم شغل وقتك بعمل مثمر تقوم به ككونك موظفاً في بعض المصالح أو صاحب عمل تسترزق منه، فكل ذلك أدى إلى زيادة الفراغ، وشعورك بأنك رجلٌ عاطلٌ عن العمل لا هدف لك ظاهراً في هذه الحياة.
وهذا الأمر قد يكون أيضاً راجعاً إلى الطبيعة التي لديك، فالظاهر من حالك أنك من النوع الذي يحسب الأمور ويعد لها عدتها ويجعل احتمالات الخسارة والربح فيها قائمة، وربما غلب عليك هذا النظر حتى شعرت بشيءٍ من القلق الشديد قبل أن تخوض أمراً مهماً، وهذا قد يحدث مثلاً في صورٍ شتى في حياتك اليومية، فقد يحدث قبل الامتحانات، وقد يحدث قبل الأمور المهمة التي تريد أن تقدم عليها، فشعورك بأنك نافرٌ من الدراسة مثلاً قد يكون السبب هو شدة الوطأة التي تجدها على نفسك من الاستمرار في الدراسة ومن القلق من الإخفاف فيها، فينعكس ذلك إحباطاً في نفسك وشعوراً بالثقل من هذه الدراسة والنفور من القيام بها.
والمقصود أن عليك أن تبحث عن السبب الذي جعلك تصل إلى هذه الحالة ثم تأخذ بالأسباب الأخرى التي تعين على الخروج والنجاة من هذه الحالة التي وصلت إليها، وهذا ممكنٌ بحمد الله عز وجل.
وأما ما أشرت إليه من احتمال الحسد فلا ريب أن العين حق وأنها ثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلا يمكن تعليق الأمور عليها بمجرد الظن، بل ينبغي أن نبحث عن الأسباب التي قد تؤدي إلى مثل هذه الحال والتي هي في الغالب أسباب تعود إلى الناحية القلقية التي لديك، ومع هذا لا مانع أيضاً من التماس الرقية الشرعية، وأنت بإمكانك أن ترقي نفسك بنفسك كما سيأتيك لاحقاً بإذن الله عز وجل.
وأما علاج هذه الحالة فأول ما تقوم به هو أن تبدأ بالاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه، والتضرع له تضرعاً عظيماً في أن يصلح شأنك وأن يصلح دنياك وأن يصلح آخرتك، فقد كان من الدعاء العظيم الذي علمناه النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، واجعل الموت راحةً لي من كل شر) وكان من دعائه الثابت العظيم الذي علمنا أن نقوله صباحاً ومساءً صلوات الله وسلامه عليه: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، فأول مقام تقومه إذاً هو التوكل على الله والفزع إليه جل وعلا.
وأما عن الخطوة الثانية فهي أن تبدأ المحاولات الجادة لإخراج نفسك من هذه الحالة التي أنت فيها.
فأولاً: لا بد أن تنهي هذه الأفكار السلبية التي لديك، فأنت تُعاني من هذه الأفكار التي تجعلك تشعر بنوعٍ من الإحباط أو قل اليأس الخفي، فلا ينبغي أن تستسلم لهذه المشاعر ولا لهذه الخطرات، وأول ما تبدأ به هو أن تواجه هذه الخطرات التي تمر بذهنك، فمثلاً إذا مر بك خاطرٌ أنك رجلٌ مخفق وأنك شاب ضعيف وأنك لست بناجحٍ في حياتك، وأنك لست كسائر أقرانك، فاطرد هذه الأفكار عن نفسك ولا تلتفت إليها، واستعذ بالله من شرها وأقبل بنفسٍ منشرحة على تحقيق مصالحك الدينية والدنيوية.
والخطوة الثالثة أنه لا بد من إصلاح حالك مع الله تعالى، ولا بد أن تكون قريباً من ربك، فقرب العبد من ربه يؤدي إلى صلاح، ليس في دينه فقط، بل وفي ديناه أيضاً، قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة – أي في الدنيا – ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، فلا بد أن تكون حريصاً على طاعة الله، قوياً بالله جل وعلا آخذاً بزمام نفسك إلى القرب من الله جل وعلا وتحصيل مرضاته لتحصل بذلك أجر الدنيا وأجر الآخرة، وسعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
والخطوة الرابعة: البحث عن الأصحاب الصالحين والبحث عن الرفقة الطيبة التي تعينك على طاعة الله، وتعينك على تحصيل مصالحك الدنيوية، فإن المؤمن قويٌ في دينه، قويٌ كذلك في تحصيل أسباب العزة والتمكين في دنياه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) أخرجه مسلم في صحيحه، فقوله صلى الله عليه وسلم (احرص على ينفعك) أي من أمور الدنيا والآخرة، (واستعن بالله ولا تعجز ) أي وليكن سبيلك إلى ذلك هو التوكل على الله جل وعلا والأخذ بالأسباب الممكنة، فعليك أن تكون قوياً آخذاً بالأسباب وغير مستسلم للعجز والضعف والنكول عن تحصيل معالي الأمور.
والخطوة الخامسة هي الحرص على تكميل نفسك بالفضائل، وبتحصيل أعلى المراتب فلا بد أن تكون صاحب همة عالية في التحسين من نفسك، وفي الرقي بها، فلا تنس أنك مقدمٌ على الزواج قريباً بإذن الله عز وجل وأنك لا بد لك أن تنفع هذه الأمة، وقبل ذلك أن تنفع نفسك، بل إن نفعك نفسك هو من نفع هذه الأمة، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أمة مترابطة متراصة مجتمعة تعمل عمل الجماعة ويأخذ كل فردٍ من هذه الأمة بحظه ونصيبه من السعي في تمكينها.

Similar Posts