اليهود يزعمون أن النسخ يستلزم العلم بعد الخفاء

اليهود لا يقرُّون بالنسخ في شرائع الله زاعمين أن النسخ يستلزم البداء ، والعلم بعد الخفاء وذلك لا يجوز علي الله تعالى .


اليهود لا يقرُّون بالنسخ في شرائع الله زاعمين أن النسخ يستلزم البداء ، والعلم بعد الخفاء وذلك لا يجوز علي الله . وقصدهم في ذلك خبيث سيئ وهو ألاّ يؤمنوا بشريعة أخري تنسخها التَّورَاة، وبالتالي فلا إيمان بعيسي ومحمد عليهما الصَلاة وَالسَلام ، وبذلك يُحَرِّفون التَّورَاة بما يُناسِب أهْواءَهم إلي يوم القيامة ، ولا أحد يكشِفُهُم أو يعكّر عليهم .


ــ والجواب عليهم من وَجْهَيْن : 

 

 1- ما من نَبّي بعث إلي قوم إلا وهو ينسخ شريعة الذي سبقه : لأن شرائع الأنبياء جاءت مختلفة تبعا لاختلاف الأزمنة والأمكنة ، وجاءت بسُنَّة التدَرُّج في الأحكام ، لأنها بِمَثابَة الأدوية للأبْدَان ، وما يصلح لأمة لا يصلح لأخرى ، وما يكون منها في وقت مصلحة قد يكون في وقت آخر مَفْسَده وكل ذلك مبني علي الحكمة ، فالمنسوخ في وقته وحاله أصلح وأنفع ، والنَّاسِخ في وقته وحاله أصْلَحُ وأنْفَع . فَلَيْس في النسخ بداء وإنما هو مقتضى الحِكمة ومعلوم أنَّ البداء هو ظهور الشّيء وبُدُوُّه بعد أن كان خافيا .

 

 2- لقد أبْطَل الله مَكْرهُم وكشفَ سِترهُم بما يلي :-

 

قال تعالي : ” كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” آل عمران . فتضمنت هذه الآيات بيان كذب اليهود كذبًا صَريحا في إبْطالِهم النَّسخ ، وذلك أنَّ النَّسخ عندهم في التَّوْرَاة لا يَخْفي عليهم ، فالطعام كله كان حلالا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ ( يعقوب ) عليه السلام علي نَفْسِه ، بإحْلاَلِ اللهِ له في شَريعة يَعْقوب والأنبياءِ من بَعْده إلي حِين نزولِ التَّورَاة ( إلا لحوم الإبل وألبانها حيث حَرَّمها يعقوب علي نفسه وفاء لنذر أو لسبب آخر لا يتَّسع المقام هنا لذكرها ) ثم جاءت التَّوْراة بتحريم كثير من المآكل عليهم بعد أن كانت حلالا لهم ، وهذا هو محض النسخ ، وهو موجود في التوراة بوضوح ” قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ” آل عمران . فإن لم تجدوا أن يعقوب لم يحِّرم إلا لحْم الإبل وألبانها ثم حرَّمت التوراة كثيرا من الطَّعَام ، فقد ظهر كذِبُكم وافترائكم في إنكار نسخ الشرائع ، والحجر علي الله تعالي في نَسْخِها ، وإذن فالنَّسْخ ثابت في التوراة حتى بعد التحريف ، فكيف ينكرونه بعد ذلك !! والحقيقة أنهم يَعْرِفُون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يعْرِفُونَ أبنَاءَهم ، ولكنهم مَغْضوبٌ عليهم يعرفون وينكَرون . 

 

والأمْر لا يَقْتصر علي نسخ حِلِّ كثير من الأطعمة ، بل عند اليهود أمثلة من النسخ لا تقبل إلا الإنكار كما يلي : 

 

 (1) أُمِرَ آدم عليه السلام بتزويج بناته من بَنيه ( حيث لم يكن وقتها إلا ذلك ، فكان الأصلح وإلاّ توقف التَّناسُل ) ثم صار ذلك حَرَاما بالاتِّفاق .

(2)  كان التسرِّي علي الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم عليه السلام ، ولقد تسرِّي إبراهيم عليه السلام بِهَاجر ، ثم حُرِّم مثل ذلك في التوراة .

 

 (3) كان الجمع بين الأختين سائغا وقد فعله يعقوب عليه السلام ، ثم حرِّم ذلك في التَّوْراة وهذا هو النسخ الذي لا يُقِرون به .

 

 (4) أُبيحَ لنوح عليه السلام بعد خروجه من السَّفينة أكل جميع الحيوانات ثم نُسِخ حِلُّ بعضها .

 

 (5) أُمِرَ إبراهيم بذبح ولده إسماعيل ثم نسخ قبل الفعل .

 

 (6) أُمِرَ جمهور بني إسْرَائيل بِقتْل من عَبَدَ العجْلَ منهم ثم دفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم ذلك .

 

 (7) ما في كتبهم من البشارة بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنه لا يفيد وجوب متابعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه لا يُقْبَلُ عمل إلا علي شريعته التي تنسخ ما قبلها .

فمن كذب علي الله من بعد كل ذلك ، وَادَّعي أن الله شَرع لهم السَّبْت والتَمسُّك بالتوراة دائما ، وأنه تعالي لم يبعث نبيَّا آخر .. إلي آخر ما يقولون ، فأولئك هم الظالمون .


ولقد جاءهم المَسِيحُ عيسي ابنُ مريم بإحْلال بعض الذي حُرِّم عليهم ، فمن آمن بالمسيح أنه رَسُولٌ من رَبِّ العَالمين ، فقد لزمه أن يؤمن بأن ما في الإنجيل نسَخ بعض ما في التوراة ويَلْزَمه الإقرار بالنسْخ .


أما عند النصارى فالأمر عجب العجاب ، حيث يزعم رؤسَاؤُهم أَنَّ المَسِيح فوَّض إليهم التَّحليلَ والتحريم وتشريع الأحكام بحسب المصلحة ، وأنَّ ما حَلَّلُوه وحرَّموه فقد حَلَّلُه هو وحَرَّمه في السَّماء ، يعني هم يَنْسخون أحْكَام الله ويبدِّلُونها كما يشاءون وبتفويض من المسيح الذي هو الله عندهم – تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا – ثم هم يتهجَّمُونَ علي القُرآن بأنه لَيْس كلامَ الله لأن فيه نسْخًا .


فأيُّ الأمريْن أفْضل : أشرعنا الذي سنَّ الله لنا حدوده بِنَفْسِه ، ونسخ منه ما أراد بعلمه ، وأتَّمه بحيث لا يستطيع الإنس والجنّ أن ينقصوا حرفا منه لانطبَاقِه علي كل زمان ومكان ، وعدم مجافاته لأية حالة من حالات الإنسان ؟ أم شرائع دِينيه أخري حرَّفها كهانها ، ونسخ الوجود أحكامها – بحيث يستحيل العمل بها لمنافاتها لمقتضيات الحياة البشرية من كل وجه ؟! .

Similar Posts