يتمنى المرء فى الصيف الشتاء

 

يتمنَّى المرءُ في الصيف الشتاءَ فإذا جاء الشتاء أنكره
؛ فهو لا يرضى بحال واحدٍ قُتلَ الإنسانُ ما أكفرَه.

يتمنى المرء في الصيف الشتاء

إن شدة الحر والبرد تذكِّر بما في جهنم من الحر والزمهرير؛ جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم))، وفي حديث آخر قال – صلى الله عليه وسلم -: ((فأذنْ لها بنفسين؛ نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)).

قال الحسن – رحمه الله -: كل برد أهلك شيئًا، فهو من نفس جهنم، وكل حر أهلك شيئًا، فهو من نفس جهنم.

وكذلك في المشي إلى المساجد للجُمَع والجماعات، وشهود الجنائز ونحوها من الطاعات، والجلوس في الشمس لانتظار ذلك؛ حيث لا يوجد ظل.

خرج رجل من السلف إلى الجمعة فوجد الناس قد سبقوه إلى الظل فقعد في الشمس، فناداه رجل من الظل أن يدخل إليه، فأبى أن يتخطى الناس لذلك، ثم تلا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]
كما أن مما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات الصيام؛ لما فيه من ظمأ الهواجر، ولهذا كان معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عند احتضاره يتأسف على ما يفوته من ظمأ الهواجر، وكذلك غيره من السلف الصالح.

فقد ورد أن الصديق – رضي الله عنه – يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، وقد وصى الفاروق – رضي الله عنه – عند موته ابنه عبدالله، فقال له: «عليك بالصيام في شدة الحر في الصيف».

وكانت عائشة – رضي الله عنها – تقوم في الحر الشديد، وكان مجمع التيمي – رحمه الله – يصوم في الصيف حتى يسقط، وقد كان أبو الدرداء – رضي الله عنه – يقول: «صوموا يومًا شديدًا حرُّه لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور».

قال بعضهم في مدح فصل الصيف: الصيف خفيف المؤونة، جليل المعونة، كثير النفع قليل الضرر، وهو أمُّ الحب والرياحين وبنات البساتين، وراحة الفقراء والمساكين، طبعه طبع الشباب الذي هو باكورة الحياة.
وقال آخرون في ذم الصيف: الصيف كحد السيف، وكتب أحدهم: كيف لي بالحركة وقد قوي سلطان الحر وفرش بساط الجمر، ولا سيما فيه الهاجرة التي هي كقلب المهجور والتنور المسجور.

قال أحدهم:

يتمنَّى المرءُ في الصيف الشتاءَ فإذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحدٍ قُتلَ الإنسانُ ما أكفرَه

وقال آخر:

رُبَّ يوم هواؤه يتلظَّى فيحاكي فؤاد صبٍّ متيم
قلت إذ خذ حره حرّ وجهي ربَّنا اصرف عنا عذاب جهنم

كتب أحدهم لآخر: لا مرحبًا بالصيف من ضيف؛ فهو عون على الحيَّات والعقارب، وأم الذباب والخنافس، وظئر البق الذي هو آفة الخلق.

جاء في كتاب الطرائف:

رأى الصيف مكتوبًا على باب داره فصحفه ضيفًا فقام إلى السيف
فقلنا له خيرًا فظن بأننا نقول له خبزًا فمات من الخوف

وجاء في كتب المواعظ:

من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي يبقي بشاشته فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثا
في ظل مقفرة غبراء مظلمة يطيل تحت الثرى في غمها اللبث
تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثَا

د. زيد بن محمد الرماني

نقاط فوق الحروف

Similar Posts