إذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه الطاعة

 

إذا أراد الله بعبدٍ خيراً ألهمه الطاعة

، وألزمه القناعة

، وفقهه في الدين

، وعضده باليقين

؛ فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف ..

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمداً يليق بجلاله، وكماله، وعظيم سلطانه، نحمد سبحانه وتعالى، ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونصلى، ونسلم على سيد الآنام، البشير النذير، محمدٍ بن عبد الله (عليه من الله أفضل الصلوات وأتم التسليم):

 

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ” من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين “

 

حديثٌ جامعٌ لكل أبواب الخير والفضل؛ إذ يعد العمل بما فيه، والسير على مقتضاه من أسباب السعادة والفوز فى الدنيا والآخرة، ومن أسباب تحصيل شتى أبواب الأأعمال الصالحة.

 

 

وعندما نتأمل بإمعانٍ فى هذا الحديث الشريف، نجد أنه يشتمل على جميع المعانى الجميلة التى تحدثت عنها تلك الحكمة الجميلة؛ فهذا الحديث يبعث برسالةٍ إلى كافة البشر ألا وهي رسالة (الفقه فى الدين).

 

وإذا وقفنا عند العبارة الأولى من تلك الحكمة (إذا إذا أراد الله بعبدٍ خيراً ألهمه الطاعة)؛ فنقول أنه لا يتصور أن يسير العبد على طاعة الله تبارك وتعالى، ووفق منهاجه وشريعته إلا إذا كان متفقهاً فى الدين؛ فيتعلم كيف يطيع المولى تبارك وتعالى فى باب العقائد؛ فيحرص على أن يتعلم كل ما هو من شأنه أن يوصله إلى إخلاص التوحيد والعبادة لله عز وجل، ويتجنب كل ما هو من شأنه أن يتعارض مع هذا التوحيد الخالص من الشركيات أو نواقض الإيمان، وهذا الباب – بلا محيص – من أخطر الأبواب على الإطلاق؛ إذ يدور عليه الإسلام كله، بل هو الركن الركين، والأساس الأول المتين الذى قام عليه الدين الحنيف، ومن أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وهو الغاية التى من أجلها خلق الإنسان؛ حيث قال الحق تبارك وتعالى: ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ “، وهو الباب الذى جعله المصطفى (صلى الله عليه وسلم) على رأس أولوياته، بالإضافة إلى الأخلاق؛ فمكث يعلم أصحابه العقيدة والتوحيد، وإخلاص العبادة لله عز وجل 13 سنة، وهو ما يسمى بالفترة المكية، بينما جعل 10 سنواتٍ فحسب لتعلم سائر الأبواب الأخرى المتعلقة بالشريعة من باب العبادات، وباب المعاملات والعادات، وقد كان من نتاج هذه الثلاثة عشر عماً أن صار صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) لديهم من اليقين الذى لا يساروره شك فى المولى تبارك وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى هو الإله الحق الذى يفرد بالعبادة دون غيره من المعبودات الباطلة كما قال المولى عز وجل فى محكم التنزيل: ” ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ “

 

يتعلم كيف يطيع المولى تبارك وتعالى فى باب الأخلاق؛ فيعرف الأخلاق المحمودة فيتمسك بها، والتى ذكرت الحكمة من ضمنها على سبيل المثال (القناعة، والكفاف والعفاف)، ويعرف كذلك المذمومة فيتجنبها، وهذا الباب أيضاً كان مضافاً غلى باب العقائد فى الفترة المكية، والتى مكثت 13 سنة، وهو من الأبواب التى لا تقل أهميةً عن العقائد، وحسبنا حديث النبي (صلى الله عليه وسلم):” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “

 

يتعلم كيف يطيع المولى تبارك وتعالى فى مجال العبادات من (الصلاة والصيام والزكاة والحج)؛ فيتعلم أحكامهم، وشروطهم، وأركانهم، يتعلم كيف يطيع المولى تبارك وتعالى فى مجال المعاملات من بيعٍ وشراءٍ وعقودٍ مختلفةٍ، وكل ما يخص التعاملات المالية، وما يتعلق بها من الحلال والحرام، وهذا البابان (باب العبادات – باب المعاملات)، وما يتعلق بهما من أمور الحلال والحرام، كان فى الفترة المدنية، والتى مكثت 10 سنواتٍ.

 

ومما سبق يتبين لنا كيف أن الفقه فى الدين هو الوسيلة التى لا يستطيع العبد بدونها أن يطيع الله عز وجل؛ لذلك فمن تفقه فى الدين وتعمق فى أحكامه، وغاص فى بحار علومه؛ ازداد طاعةً لله عز وجل وقرباً منه سبحانه وتعالى، وهذا – بلا شك – أعظم الخير الذى يريده الحق تبارك وتعالى به من يشاء من عبده؛ فمن أراد الله تعالى به خيراً، خيراً فى كل شىء فى مناحى حياته عقيدةً وأخلاقاً وعبادةً ومعاملاتٍ …. إلخ، ومعنى ذلك أن من لم يتفقه أو يتعلم دينه ما أردا الله به خيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله …. نسأل الله تعالى السلامة …..

 

هذا والله تعالى أعلى وأعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

Similar Posts