النوم مـتاخر

__ أعاني من عدم النوم في الليل ولا يأتي النوم إلا بعد الساعة السادسة صباحا، وأنام إلى الساعة الثالثة ظهرا

أتمنى أن أجد حلا لهذه المشكلة نظرا لما وجدته من مشاكل من عدم القيام بالواجبات في الصباح.

الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإن هذه المشكلة التي أشرت إليها وهي اضطراب النوم بحيث انقلب ليلك نهارا وانقلب نهارك ليلا، هي مشكلة لست متفرداً بها، فالكثير من الناس يحصل له ما يحصل لك، فإن قلت فما السبب لذلك؟

فالجواب: إن هذا قد يدرك من إشارة لطيفة قد أشرت عليك عندما كتبت عن عملك أنك بدون عمل، فمثل هذا الفراغ الذي لديك هو السبب الرئيس فيما تعاني منه، فأنت ليس لديك عملٌ تزاوله في النهار، وهذا ربما حملك على السهر في الليل، وحملك على الشعور بأنك لست صاحب هدفٍ تنجزه نهاراً، وبهذا سهل عليك أن تسهر الليل، وأن تجد فيه شيئاً من الفراغ الذي تملئه بشيء من الأعمال والتي لم تشر إليها في سؤالك الكريم، وصعب عليك أن تعيش نهاراً تجد فيه أقرانك يزاولون أعمالهم، ويسعون في تحصيل أرزاقهم وأنت جالس في البيت لا عمل لك، فانقلب هذا الشعور في نفسك إلى رغبة في استبدال الحال، بحيث تكون مشغولاً بالنوم نهاراً، ومليئاً ببعض التصرفات التي تزاولها ليلاً ولو كانت هذه التصرفات لا تجدي عليها نفعاً أو لا تؤدي إلى ثمرةٍ في دينك أو دنياك.

إذاً فسبب هذا الذي حصل لك هو فراغك من العمل في وقت النهار، فحصل لك هذا الاضطراب في النوم فصار ليلك نهاراً ونهارك ليلاً على ما أشرنا إليه.
فإن قلت فما الحل لهذه المشكلة؟

فالجواب: إن هذا يستدعي منك خطوات سهلةٍ ميسورة، فإن هذا الأمر الذي تعاني منه هو أمرٌ يمكن علاجه بحمد الله عز وجل وقد أشرنا إليه في أكثر من جواب، ولكن سنعطيك خطوات لعلها أن تكون الأقرب بالنسبة إليك:

1-  البدء بالاستعانة بالله تعالى، فعليك أن تكون متصلاً بربك بحسن طاعتك، وبملئ أوقاتك بما يعود عليك برضا الله جل وعلا، وهذا لا يعني أن يكون المرء دوماً في عبادة، ولكنه يعني أن يكون مطيعاً لله جل وعلا في عباداته، ومطيعاً لله جل وعلا في تناول أموره الدنيوية، فإحسان علاقتك بربك سيعطيك سكينة في قلبك، ويعطيك همةً عاليةً لتحصيل مكارم الأخلاق، وتحصيل أعلى المنازل بإذن الله عز وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ) وهذا يقودك إلى الخطوة الثانية:
2- فلا بد أن تبذل وسعك في إيجاد عمل تزاوله في النهار، وأن يكون هذا العمل عملاً يقتضي منك أن تكون مستيقظاً نهاراً، لاسيما إن ارتبطت بعمل تسترزق منه في النهار، هذا إن أمكن، فإن لم يمكن فهنالك البحث عن أسباب تنميها في نفسك، فمن ذلك تحصيل بعض الدراسات وبعض الدورات التي يمكن أن تدرسها نهارا، فإن هذا سيجعلك مجبراً أن تصحو نهاراً وأن تزاول عملك في وقت النهار، ثم بعد ذلك تعود إلى بيتك لتكون بحاجةٍ إلى الراحة، فلربما أخذت شيئاً من القيلولة اليسيرة لتجد حتى تجد وقتك بعد ذلك مملوءاً نهاراً، ثم يأتي الليل فتجد نفسك بحاجة إلى أن تخلد إلى الراحة وتخلد إلى النوم، فإن الإنسان إذا أخذ حاجته من النوم في النهار، عسر عليه أن ينام ليلاً، والعكس بالعكس.
فالمقصود أن توجد عملاً يجعلك تشعر بحاجة إلى الاستيقاظ نهار، فإن هذا سيجعلك حريصاً على أن تكون مستيقظاً نهاراً، نعم قد تجد بعض الصعوبة في البداية، ولكنك ستنتصر على هذه الحال بإذن الله عز وجل.
3- الحرص على توخي الأسباب التي تعينك على النوم في الليل، وتبعد عنك النوم في النهار فمن ذلك الآتي:
أ‌- إلزام نفسك بأن تستيقظ صباحاً، وهذا يقتضي منك أن تحرص على أن تستيقظ لصلاة الفجر، وبعد صلاة الفجر لا مانع من أن تأخذ ساعةً من نهار في النوم، والأفضل عدم ذلك، فإن هذه الساعة هي من خير الساعات التي تقسم فيها الأرزاق، لا سيما إن اشتغلت ببعض الأذكار كأذكار الصباح، ثم تناولت شيئاً من المشروبات الساخنة التي تنشطك كالشاي مثلاً، ثم بعد ذلك قمت بمزاولة الأعمال التي يمكن إنجازها في النهار، ولو كانت في البداية متعلقةً بإنجاز أعمال أهلك وأسرتك، هذا مع مراعاة عدم النوم في النهار إلا وقت القيلولة ولمدة يسيرة، ثم بعد ذلك الاقتصار على المشروبات العادية التي لا تحتوي على مادة الكافيين، وذلك كالشاي بعد صلاة المغرب والقهوة وكذلك الببسي ونحوها من المشروبات التي تحتوي على مادة منبهة، فعليك بأن تمتنع عن تناولها في وقت الليل أي بعد صلاة المغرب، فهذا سيعينك تماماً على أن تكون بعيداً عن الأرق وعن الصعوبة في إيجاد فرصة النوم ليلاً.
ب‌ – الحرص على عدم التفكير المقلق في وقت الليل، فإذا أخذت مضجعك فلا تشغل بالك في التفكير ولا تسرح في تخيل الأحداث وفي التصور لما قد يقع لك أو في التذكر لماضٍ أليم فإن هذا يبعد عنك النوم ويجعلك تكره البقاء في فراشك، ولربما خرجت إلى حد الأرق وحد السهر كما هو واقعٌ الآن، فالمطلوب أن تسترخي وأن تأخذ حظك من الراحة الفكرية، وحظك من الناحية البدنية، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، ويكره الحديث بعدها، والحديث ثابت في الصحيح عنه صلوات الله وسلامه عليه وهذا إرشادٌ بليغ للأمة في أن يكون أصحاب عطاء وأصحاب إثمار في الإنتاج في أوقات النهار الذي هو وقت نشور الناس، وعلى أن يخلدوا للراحة ليعطوا أنفسهم حظها من الراحة في وقت الليل فإن الله جل وعلا جعل الليل سكنا، وهذا يقتضي سكون الأبدان وسكون الأرواح والأنفس، قال تعالى: ( وهو الذي جعل الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً ).
وأما الخطوة الأهم في هذا المقام فإننا قد ذكرنا في البداية أن عليك إحسان العلاقة مع الله جل وعلا وهذا يحتاج إلى خطوة أخرى هي من هذا المعنى ولكنها أوكد في حقك وهي أن تراعي الفروض الواجبة لاسيما وأن النوم في النهار قد يفوت عليك الصلاة (صلاة الظهر أو صلاة الفجر).. نعم الظاهر من حالك أن تقوم لأدائها ولكن هاهنا سؤال: ماذا لو حرصت على أن تؤدي هذه الفروض في الجماعة في المسجد وهذا هو الأكمل والأفضل أو على أقل تقدير أن تؤديها في وقتها ستجد نفسك مرغمًا أن تستيقظ لكل صلاة في كل وقت، وهذا سيطرد عنك النوم في النهار لأنه لابد لك للصلاة من تهيئ واستيقاظ مبكر.

Similar Posts