من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه

 

إن الإسلام لا يزن الناس بألوانهم وأجناسهم، أو أنسابهم أو أحسابهم أو أموالهم أو أولادهم، إنما يزنهم بقلوبهم وأعمالهم وتقواهم.

, يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ” إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” رواه مسلم , ويقول عليه الصلاة والسلام : ” من أبطأ به عمله , لم يسرع به نسبه ” رواه مسلم .

فمن أخرّه يوم القيامة سوء عمله أو تفريطه في العمل الصالح لا ينفعه شرف نسبه ولا يجديه عزّ عشيرته , فالعبرة إذاً بالتقوى والعمل الصالح , لا بالنسب ولا بالحسب ولا بالقرابة , فالله عزّ وجلّ يقول : (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) سورة النجم : الآية / 39 . فالذي يقصر في عمله لا يستطيع نسبه مهما كان عظيماً أن يقدّمه على سواه , أو يقرّبه من رحمة مولاه .

فبعد النفخة الثانية في الصور لا تنفع الإنسان قرابته , ولا يكترث أحد بأحد , ولا يلتفت أحد إلى أحد ولو كان من أعزّ الناس عليه , ولا يحمل عنه وزن جناح بعوضة , فالكل مشغول بنفسه , يفرّ من أقرب الناس إليه , ((يوم يفرّ المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرىء منهم يؤمئذ شأن يغنيه )) سورة عبس : الآيتان / 34 – 37 .

(( حتى أن الوالدة تلقى ولدها يوم القيامة فتقول : يا بنيّ : ألم يكن حجري لك وطاءً ؟ ألم يكن ثديي لك سقاءً ؟ ألم يكن بطني لك وعاءً ؟ فيقول : بلى يا أمّه , فتقول : يا بني إن ذنوبي أثقلتني , فاحمل عني منها ذنباً واحداً , فيقول :إليك عني يا أمّه , فإني بذنبي عنك مشغول )) القرطبي : 10 / 230 .

يقول الله تعالى : (( واخشوا يوماًَ لا يجزي والد عن ولده * ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً * إن وعد الله حقّ * فلا تغرنكم الحياة الدنيا * ولا يغرنكم بالله الغرور )) سورة لقمان : الآية 33 .

ليت الأمر يتوقف على هرب الناس من بعضهم بعضاً , وعلى تخلّي كل واحد عن الآخر , فإن لهفة المذنب على النجاة تفقده الشعور بغيره , فيود لو يفتدى نفسه من عذاب النار بأعزّ الناس إليه , ببنيه بزوجته بإخوانه بعشيرته , وبمن في الأرض جميعاً ثم ينجو , ولكن هيهات هيهات , فكل هذا لا يجديه نفعاً ولا ينجيه , يقول الله تعالى : (( يبصّرونهم * يود المجرم لو يفتدى من عذاب يؤمئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤيه * ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه )) المعراج : الآيتان 11 – 14 .

لما نزل قول الله تبارك وتعالى : (( وأنذر عشيرتك الأقربين )) دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم قريشاً فقال : ( يا معشر قريش , اشتروا أنفسكم من الله , لا أغني عنكم من الله شيئاً , يا صفيّة عمّة رسول الله , لا أغني عنك من الله شيئاً , يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت , لا أغني عنك من الله شيئاً ) رواه مسلم .

وهذه زينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام لم تركن إلى أحد سواها في عبادة الله وطاعته والتقرب إليه بالفرائض والنوافل , لم تقل يوماص إن نسبي كافيني , بل جدّت واجتهدت في العبادة لدرجة أنها ربطت حبلاص بين عمودين , تتعلّق بالحبل كلما فترت وتعبت , كي تواصل العبادة والتقرب الى الله , فعن أنس رضي الله عنه قال : ” دخل النبيّ عليه الصلاة والسلام المسجد , فإذا حبل ممدود بين ساريتين بالمسجد فقال : ما هذا الحبل ؟ قالو : حبل لزينب , فإذا فترت تعلقت به , فقال عليه الصلاة والسلام : حُلّوه , ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد ” رواه البخاري .

وهذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول لها : يا فاطمة اعملي , إني لا أغني عنك من الله شيئاً , وذات يوم دخل عليها وكانت تلبس من وبر الإبل وكانت تطحن بيدها وترضع ولدها , فدمعت عيناه لّما أبصرها فقال : يا بنتاه :
” تعجّلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ” إنه يعلّمها الجلد والصبر على مشاق الحياة , وتحمُل النصب والتعب لتفوز بنعيم الجنة يوم القيامة .

منقول بتصرف.

Similar Posts